السبت 22 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

24 ساعة فى شمال سيناء

2 مسافة السكة.. حكايات أبــــــــــــــــطال الإغاثة للفلسطينيين فى غزة

رفح - أحمد إمبابى



على مدى نحو ثمانى ساعات، كانت فترة الرحلة البرية من القاهرة حتى مدينة العريش فى شمال سيناء، وقبل الانتقال إلى معبر رفح، آخر نقطة حدودية مع قطاع غزة الفلسطينى، طوال هذه الساعات كانت مشاعر الشغف تلاحقنى لزيارة أرض سيناء، تلك «البقعة المباركة» التى ضحى ومازال يضحى من أجلها الرجال، دفاعا وحماية لأرضهم ووطنهم.

طوال الطريق كنت أتفقد بعينى تلك الأرض الساحرة، رمالها وجبالها ومزارعها ومنازلها، وبينما أتذكر الدماء التى ارتوت برمال أرض الفيروز خلال المعارك التى خاضتها الدولة المصرية على أرضها وانتصرت فيها، وفوق كل ذلك كنت أمام استفهام أهم أبحث عن إجابته بنفسى: هل الصورة الذهنية التى ترسخت لدى الكثير عن سيناء كساحة لمعارك كان آخرها حرب الدولة على الإرهاب، أم أن الأمر مغاير عن الأرض التى توصف دائما بأرض الخير أو أرض الفيروز؟

الواقع أن أى زائر يستطيع أن يرصد بنفسه ما فى باطن تلك الأرض من خير، على جانبى الطريق، نشاهد مزارع وزراعات مختلفة، خصوصا الزيتون والنخيل والموالح، مزارع لا تحتاج سوى لمياه الأمطار فقط حتى تنبت خضارها وثمارها، حتى نسيم هوائها فهو نسيم مختلف بين نسيم أرض مليئة بالخير ورائحة الشهداء، وأيضا شواطئها الساحرة فى العريش، وصولا لكرم أهلها الذى لمسناه عند الوصول، هذه مشاهد عابرة فقط خلال الرحلة من القاهرة للعريش، كانت كفيلة لأن تبدد كثيرا مما يشاع أو أن يرسخ فى الأذهان عن سيناء.

تلك الرحلة كانت ضمن مجموعة من الزملاء الصحفيين والإعلاميين والمراسلين الأجانب، لمتابعة جولة مهمة لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى وعدد من الوزراء والمسئولين والسياسيين، لإطلاق وتدشين المرحلة الثانية من خطة التنمية فى سيناء، لم نتوقف كثيرا أمام مشقة السفر، فنحن كنا نعلم أننا أمام منطقة خاصة، لها فى قلب كل مصرى مكانة خاصة، كنا نعلم أننا أمام جولة فى عدة مناطق بشمال سيناء وصولًا لمعبر رفح، ومن هنا كان الدافع الصحفى لنقل صورة شاملة عن الحياة فى سيناء، من واقع ما سنشاهده على أرض سيناء حتى ولو كانت فترة التواجد على أرضها ساعات قصيرة امتدت إلى نحو 24 ساعة.

معبر رفح .. رسائل «الـــــــــــــــــــــدعم والقدرة والقوة»

وسط دوى بعض آثار القصف الإسرائيلى على الفلسطينيين، وعلى بعد أمتار من قطاع غزة المحاصر من الاحتلال الإسرائيلى، اصطف الآلاف من الشباب والمتطوعين المصريين أمام معبر رفح المصرى، وإلى جوارهم مئات الشاحنات المصرية المحملة بالمساعدات الإغاثية والطبية والغذائية للأشقاء فى فلسطين، لطلب دخول جميع المساعدات إلى غزة، ومتمسكين بإرادتهم بعدم المغادرة حتى دخول كل الدعم القادم من المؤسسات الخيرية والأهلية المصرية ومعها المساعدات القادمة من الخارج عبر مطار العريش الجوى.

فى الطريق إلى معبر رفح، كانت تطاردنى عشرات الأسئلة التى أبحث عن إجابات لها بمجرد الوصول للمعبر ومتابعة ورصد حقيقة الواقع بعينى، تساؤلات ما بين شكل تأمين معبر رفح، وحجم المساعدات الموجودة لإغاثة الأشقاء الفلسطينيين، ومشاعر الشباب والمتطوعين المعتصمين منذ أيام عديدة حتى دخول المساعدات خصوصًا وهم يسمعون دوى أصوات القصف على قطاع غزة، ومشاعر المتطوعين الذين يقدمون المساعدات بأنفسهم داخل القطاع، وفوق كل ذلك طبيعة الدور الداعم الذى تقدمه الدولة المصرية سندًا للأشقاء الفلسطينيين.

كل هذه التساؤلات كانت حاضرة وسط خليط من مشاعر الحزن على ما يحدث فى قطاع غزة، والقلق من أن يطال آثار العدوان الإسرائيلى حدودنا الشرقية، وأيضا الأمل فى انتصار إرادة الدولة المصرية ممثلة فى موقف مؤسساتها الأهلية والخيرية وعلى رأسها حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى فى إيصال جميع المساعدات للأشقاء فى غزة.

تساؤلات كانت إجاباتها حاضرة بمجرد الوصول لمعبر رفح.. فهناك رسائل الدولة المصرية واضحة وبيّنة للعيان، رسائل القدرة والقوة والدعم.. ففى رفح، وبمجرد أن وطأت قدماى أرض المعبر، رأيت الاصطفاف الأمنى والعسكرى من أبطال ورجال القوات المسلحة المصرية حماية لحدودنا الشرقية، وتحسبًا لأى طارئ، فى مشهد يبعث بمشاعر الفخر والقوة والاطمئنان، بأن حدودنا الشرقية فى «يد أمينة»، وحتى عملية تأمين المعبر نفسه، كان لافتًا للأنظار الإجراءات الأمنية غير المألوفة لى لتأمين هذا المعبر.

أما الرسالة الأهم، كانت رسالة الأمل التى رأيتها فى عيون ووجوه كل المرابطين من المتطوعين والمشاركين فى تجهيز المساعدات والدعم للأشقاء فى فلسطين، من متطوعى حياة كريمة وجمعيات التحالف الوطنى، وحتى من سائقى الشاحنات الذين يقدمون المساعدات بأنفسهم داخل القطاع، الجميع لديهم ثقة بأن إرادتهم ستنتصر بدخول جميع المساعدات، ثقة لا تهزها أصوات القصف التى لا تغيب، ومشاهد الدمار والجرائم التى ترتكب فى القطاع، ثقة كانت وراء زيادة عدد الشاحنات التى يتم إدخالها لقطاع غزة تدريجيا يوما بعد يوم.

فى هذا التوقيت، كان التحالف الوطنى للعمل الأهلى قد أعلن عن الانتهاء من تسليم  القافلة الأولى من المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين، والتى انطلقت يوم ١٤ أكتوبر الجارى وهى القافلة الأضخم حيث تضمنت 108 قاطرات محملة بــ1000 طن من المواد الغذائية واللحوم و40 ألف بطانية و80 خيمة بجانب ما يزيد على 50 ألف قطعة ملابس وأكثر من 300 ألف علبة من الأدوية والمستلزمات الطبية يرافقها طاقم طبى يضم مختلف التخصصات وكذلك المئات من شباب المتطوعين والذين قضوا قرابة ١٨ يومًا أمام معبر رفح البرى للتأكد من سلامة وصول المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى.. ومن هنا كان الدافع لنقل هذه الصورة وحقيقة المشهد فى معبر رفح ومشاعر الأبطال المشاركين فيه.