الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

شراكة لا تقبل القسمة

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد...



أنا سيدى الفاضل زوجة من القاهرة فى بداية العقد الثالث، وأعمل بأحد البنوك الخاصة،، تزوجت منذ ٤ أعوام من رجل يعمل بهيئة حكومية، وبكل صراحة فإن دخلى الشهرى يصل لخمسة أضعاف دخله - لكننى لم ألتفت يومًا لهذا الأمر، ما كان يشغلنى فقط هى شكليات اجتماعية هامة، مثل مؤهله العالى المناسب لي، وأسرته العريقة وأشقائه الذين يعملون بمراكز مرموقة، كذلك فإن ميراثهم سوف يعوضه عن أى فروق مادية، فى النهاية وافقت بلا تردد، تزوجنا وأنجبنا طفلين، مرت الحياة بيننا فى سعادة طاغية، لأنه إنسان محترم، حريص على إرضائى قدر استطاعته،، وكمعظم البيوت تدب فيها خلافات أسرية أحيانًا،، والبداية كانت منذ عدة أشهر عندما توفى والده، وشعرت بسلبيته التى لا تطاق هو وأشقائه، فى التعامل مع جشع وظلم أعمامهم بقريتهم الواقعه بالدلتا، حيث ترك جد زوجى إرثا على «المشاع» كما يقولون، أى مشترك فيما بين أبنائه، وغير محدد أو مخصص لأحدهم بعينه، عبارة عن قطع أراض زراعية مختلفة وأخرى مخصصة للبناء،،، والحقيقة لا أعرف أستاذ أحمد لماذا وجدت نفسى بمرور الوقت أفكر فى شقائى وعملى المرهق واستنزاف دخلى وطاقتى على حياتنا، زوجى من المفترض أنه المكلف بنا - بينما عائد عمله لا يكفينا عشرة أيام كاملة - كأنها حلقة مفرغة من الخسارة لطرف لا ذنب له دون الآخر، قررت التحدث معه بشكل مباشر ومواجهته بعيدًا عن العواطف، لأجده صُدم بشكل لم أكن أتخيله، شعرت بالذنب تجاهه واعتذرت له، وعادت المياه إلى مجاريها، وبمرور الوقت وسيطرة الحق المكتسب عليه، فكرت فى حيلة ربما تجعله يستفيق، ويغير من سياسته هو وأشقاؤه تجاه أعمامهم بالضغط عليهم، لاستخلاص حقوقهم المسلوبة.. أبلغته بأن مجموعة البنوك التى أعمل بفرعها داخل مصر، كدرت العمالة بطريقة لى الذراع، وخيرت أهم موظفيها بين تقليص رواتبهم للنصف أو تقديم استقالتهم - لكنه قابل كلامى بجرعة زائدة من اللامبالاة، طالبنى بالصبر والموافقة على نصف الراتب بدلًا من ترك عملي، وبالتالى أصبحت أحتفظ سرًا بنصف راتبى بعيدًا عنه، فالتحق بعمل مسائى كمحاسب لأحد المطاعم - وهذا التصرف رغم أنه منطقى بعد خفض راتبى الذى أضخه شهريًا بالبيت - إلا أنه أضعف هيبتى وأضاع كيانى الاجتماعى بين الناس، لأننى موظفة ببنك شهير وزوجى يعمل بعمل إضافى لا يليق، حاولت شرح موقفى له، لكنه ثار بشكل لم يحدث من قبل، وأهاننى ودفعنى بشدة حتى سقطت على الأرض، وصرخ فى وجهى بجنون يخبرنى بأنه لن يقف فى وجه أشقائه ويخسرهم للأبد، وإذا أردت ترك عملى فلن يبكى ولن يجوع هو وأبنائه، طلبت منه الانفصال فى هدوء، رمقنى بحدة ولم ينطق بكلمة واحدة، حتى أصبحنا بين عشية وضحاها نعيش كالأغراب، بلا أى علاقة تذكر، ننام بغرف منفصلة، نتناول طعامنا فى صمت، أحاول دائمًا التظاهر أمام كل الناس بأننا على ما يرام، حتى لا يشمت بى أعدائي، وعندما أختلى بنفسى أشعر بالقهر الشديد وأبكى بشكل هستيري، تعرضت لبداية اكتئاب وأمراض جلدية مناعية وأنا مازلت صغيرة أضيع عمرى مع رجل لا يستحق،، فبماذا تنصحني!؟ 

إمضاء ف. س

عزيزتى ف. س تحية طيبة وبعد...

الشراكة الوحيدة التى لا يجب أن ينتظر أصحابها ناتجًا لقسمتها على اثنين - حتى وإن كان ربحها يقبل ذلك حسابيًا، هى شراكة الحياة الزوجية، لأن العطاء يظل فى حالة تدفق مستمر دون حساب أو تقييم كمي، فلا يصح بأى حال من الأحوال أن نقول بأن الزوجة التى تصون زوجها فى وجوده وغيابه، لا ترى غيره، وتساعده على أعباء الحياة ماديًا ومعنويًا، تعفه وتطيعه وتربى أبناءه، تثقلهم دينيًا وتربويًا.... إلخ، سوف يكون لها مكافأة عادلة منه أيا ما كانت قيمتها .. كذلك فإن الزوج المخلص لزوجته المُقدر لرسالتها والمحافظ عليها، الساعى بشغف لتوفير سبل راحتها، لن يبلغ كل ما يستحقه منها مهما حاولت، لأن قدوته وحمايته لا تقدر بثمن، بنفس هذا النسق من الفلسفة والعطاء الروحانى لأقدس علاقة على وجه الأرض، يجب أن يستقر فى يقين كليهما هذا الوازع من التجرد والزهد الداخلى الممتع، تاركين تقدير أجرهما وثوابهما على الله، الذى لا يغفل ولا ينام.. يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة الروم، بسم الله الرحمن الرحيم{وَمِنْ ءَايَٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } صدق الله العظيم،، والمودة والرحمة هنا بمضمونها الحميمى الشامل، تعنى المحبة والشفقة، أى نحب لشريكنا الاستقرار فى الحياة - نشفق - لا نشق عليه، وعطفًا على هذا التفكر والتدبر المطلوب لتلك القيم النورانية، ستجدين بأن حساباتك من البداية اختلت بارتكازها على جوانب مادية بشكل كبير، والدليل هو تلميحك فى رسالتك بأن من بين دوافع موافقتك على الارتباط بزوجك، كان ميراثه الذى سيعوض فارق راتب كل منكما، وهو رزق لا دخل لكما بتوزيعه، كذلك فإن إبداء رأيك بشأن ميعاد استحقاق وتوزيع ميراثه، كان يجب أن يكون باللين، لأنها أمور معقدة يتدخل فيها الشيطان ويستمتع بتعقيدها، وإدخال أطراف كثيرة بنزاعاتها، وعلى الأزواج الحذر وأخذ مسافات آمنة من تلك الفتنة الدنيوية الزائلة، ودفع رفقائهم وتشجيعهم على قيم مثل العدل والتسامح قدر الاستطاعة، وليس العكس، وهذا يفسر تمامًا حقيقة هذا التحول من زوجك وتعنيفه بالاعتراض الثائر غير المتوقع على تدخلك المفرط فى طريقته وأشقائه لنيل حقوقهم من أعمامهم،، لذا أدعوكِ لمساندته وعدم التخلى عنه، بعد أن نال من إشاداتك بشخصه وأخلاقه ما يستحق الصبر عليه،، ومما لا شك فيه أنه من حقك شرعًا حجب جزء من راتبك لنفسك - لكن اختارى الوقت المناسب لفعل ذلك، حتى لا يجبر هو على الخضوع لأى فرصة عمل شبه مناسبة لمؤهله ووقت فراغه، كى يفى بمتطلبات حياتكم، واعلمى عزيزتى بأن الحياة أبسط من ذلك فلا تعقديها على نفسك. 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ف. س