الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حسن كمال: لم أخن القصة القصيرة.. والرواية للحياة وليست للموت




حوار – تغريد الصبان
«فتشوا عن الموتى فيمن حولكم، هؤلاء الذين لا يبحثون بأعينهم المتفتوحة عن النور، ولا يتكلمون حينما يأتى وقت الكلام، ولا يتحركون مهما توالت على وجوههم الصفعات، هؤلاء لا تحاولوا أن تهبوهم الحياة».. بهذه الكلمات يحاول حسن كمال منح إشارة لقارئ روايته «المرحوم» للوقوف على الرسالة الخفية بالعمل، الذى يتصدر قائمة الأعلى مبيعا بمكتبات الشروق والتى يتناول فيها حياة الموتى!
«المرحوم» العمل الروائى الأول لحسن كمال الذى يعد واحدا من كتاب الجيل الجديد القلائل الذين أخلصوا للقصة القصيرة، حيث صدر له من قبل ثلاث مجموعات قصصية وهى «كشرى مصر» التى حصلت على المركز الثانى بجائزة ساويرس عام 2010، و«لدغات عقارب الساعة»، و«وكان فرعونا طيبا»، كما حصل كمال على جائزة ساقية الصاوى ثلاث مرات متتالية، فى السطور التالية نقرأ كواليس تخليه عن القصة القصيرة واتجاهه نحو الرواية..
 

■ ما أبرز ملامح مشروعك الأدبى؟
- أعتقد أننى عموما أنتمى لجيل يعيش زخماً فى الكتاب بعد فترة طويلة من قلة التواصل ما بين الكاتب والقارئ، بدايتى كانت من عشقى الشديد للقصة القصيرة وكنت أحاول أن أظهر الحياة كاملة بكل متناقضاتها من خلال المجموعة القصصية التى تتقاطع معاً لتظهر رؤية معينة أصيغها بعنوان المجموعة، وهو ما حدث فى مجموعتى الأولى «كشرى مصر» التى كانت تيمتها الرئيسية هى خلطة البشر غير المفهومة، ثم «لدغات عقارب الساعة» ناقشت فكرة مرور الزمن على الأشخاص وصعوبة تبدل الأحوال فى مجتمع شديد الصعوبة فى تحقيق الذات، أما مجموعتى الثالثة «وكان فرعونا طيبا» والتى تحدثت عن الظلم وتحول المظلوم ليصبح أكثر ظلما ممن ظلمه! .. فأنا أحاول أن أؤرخ لفترتى من خلال عدد من القصص القصيرة.

■ بعد ثلاث مجموعات قصصية حققت نجاحاً ملحوظاً اتجهت إلى الرواية وأصدرت روايتك «المرحوم» التى حققت أيضا نجاحاً حتى الآن، فماذا عنها؟
- لن أخفيك سراً أن «المرحوم» فى الأصل كانت قصة عنوانها «أن يعتاد الموت» وهو ما يؤكد إخلاصى لمشروعى القصصى، لكن النص الأدبى هو الذى يحدد ما سنتحدث عنه، هذه القصة كانت تتحدث عن عامل المشرحة بكلية الطب التى تحفظ بها الجثث لأعوام طويلة، وفكر بطل القصة أن يقتل أهله ويحضر جثثهم هنا ويعيش معهم كما يعيش مع الجثث! مما يعنى أنه لم يعد يعى الفارق بين الموت والحياة، فالهدف من القصة كان عرض قسوة الحياة.. من عادتى بعد أن أكتب القصة أن أتركها قرابة العشرة أيام لأقراها مرة أخرى، عند قراءتى لها مرة أخرى أكتشفت أن هذه الشخصية ثرية جداً وتسمح بتطويرها، وبدأت أكتبها على أن تصبح نوفيلا، ثم وجدت الشخصية تلح بالمزيد إلى أن تحولت قصة «أن يعتاد الموت» إلى رواية «المرحوم»، فلماذا لا نصدق أن من عاش حياته وسط المقابر كان هو أول المتقدمين لوظيفة حارس المشرحة؟ ولماذا لا نصدق أن من تعود الحياة بين الجثث والموتى أصبح لا يتحدث مع سواهم؟ ولماذا نندهش من تطور شخصيته التى تحاول خلق حدث ما بين هؤلاء الموتى، فكانت تلك الرواية التى تنامت شخصيتها.

■ ما قصة العلامات العشرين التى قسمت الرواية؟
- المفارقة هنا أن الرواية ليست رواية للموت، إنما هى للحياة.. ففى الإهداء أقول: «إلى كل من فعل فمات.. فعاش إلى الأبد» فهذه الرواية عرفت الحياة والموت بشكل مختلف، بعيداً عن فكرة الموت فى حد ذاته والحياة فى حد ذاتها بل فى «الفعل» وهو الكائن الحى الخالد الوحيد لأنه ينتج أفعالاً صغيرة وكبيرة فى توالية لا نهائية، ففى الرواية أقول «فتشوا عن الموتى فيمن حولكم، هؤلاء الذين لا يبحثون بأعينهم المفتوحة عن النور، ولا يتكلمون حينما يأتى وقت الكلام، ولا يتحركون مهما توالت على وجوههم الصفعات، هؤلاء لا تحاولوا أن تهبوهم الحياة» انطلاقا من هذا التعريف سيدرك القارئ ما هى المقبرة، فالمقبرة هنا ليست مكان دفن الموتى!.. ومن هنا تبدأ مشكلة البطل الذى يحاول أن يفعل وهو لا يملك أدوات الفعل لأنه يعيش بين الأموات الذين لا يساعدونه على الفعل، من هنا تأتى العلامات التى قد تعيق وقد تساعد «الفعل»، وقد جمعتها جميعها فى نهاية الرواية أنها «الوحدة، الزحام، الخوف، العقدة، الجسد، العقل، الحرام، اللسان، العادة، الطريق، الشيخ، الرحمة، المكسب، الملة، الدائرة، الكفر، المولد، الضابط، الملك، الصحفي، العلامات».

■ لماذا هذه المتقابلات والثنائيات؟
- لأن هذه هى الدوائر التى نعيشها وندور فيها بالفعل، خاصة المهن الوحيدة التى ذكرتها وهى أكثر من يتحكم فى حياتنا وواقعنا، فأنا أحاول دوما أن أكتب لكل أنواع القراء، بمعنى أن القارئ المثقف سيجد متعته ما وراء النص والقارئ العادى سيجد ما يرضيه، المشكلة التى واجهتنى فى هذه الرواية أنه كلما كانت الشخصية غنية كلما شغلتك عما وراء النص، لكننى حاولت أن أضع فى الرواية مجموعة من الروابط التى شكلت بنية النص.

■ «المرحوم» عتبة الرواية اسم مقبض قد يمنع فضول الكثيرين لقراءة الرواية فلماذا المجازفة بهذا العنوان؟
- من بدايتى وأنا ليست لدى المجازفة أو عدمها، فلدى وجهة نظر فى الأعمال الذى قد يهاجمه بعض النقاد فى أنه ليس عملاً جماهيرياً أو غيره، فلو أردنا حصر النسخ التى تباع لأكبر الكتاب فى مصر من أعمالهم نجد أنها نسبة ضئيلة جداً، فالأدب ليس له جمهور فى مصر! فحين أكتب لا أفكر فيما أكتبه، فالعنوان هنا يلخص الحالة كاملة ولو نظرنا إلى الكلمة «المرحوم» فى جوهرها هى اسم مبهج! لأنها تعبر عن الرحمة وهى قمة الثناء، لكن جرت العادة أنها تعبر عن الموت.

■ هل يمكن أن نصنف الرواية ضمن اعمال الفانتازيا أم الواقعية السحرية؟
- أعتقد أن الواقعية السحرية هى الأقرب، ففى مجموعتى الأولى كتبت فى المقدمة اننى كنت فيما مضى حين أريد أن أكتب، أخلد إلى غرفتى واسمع الموسيقى وأكتب، لكن اليوم أنزل إلى الشارع أتفرس وجوه الناس لأرى واقعاً أغرب من الخيال، لذا فالأدب اللاتينى مصدره هو المرارة الشديدة للواقع مع عاطفية الإنسان، فهم قريبون منا جدا، اما الفانتازيا لا اعتقد أننى أهواها أو اعتمد عليها كلية إلا فى حالة استخدام الرمز.

■ هل فوز كاتبة القصة القصيرة أليس مونرو بنوبل للآداب هذا العام قد يحيى قيمة القصة القصيرة من جديد؟
- بصراحة مطلقة.. لن يفرق كثيرا فوز مونرو بنوبل، لكنه انتصار لفن القصة القصيرة، فالقصة القصيرة مظلومة عربيا وعالميا فعلى مستوى الترجمات لا يتحمس لها المترجمون كتحمسهم للرواية، المشكلة الثانية أن المعروض أكثر كثيرا من عدد المجيدين لها، لكن فى الجيل الجديد الذى يقترب من أن يصبح جيل وسط هناك عدد ليس بالقليل من المبدعين فى مجال القصة القصيرة، فهذا الفن ظلم ما بين جيلين..الأول كان مهتماً بالطلاسم والالتزام بالقالب، البعض من الجيل التالى تعامل معها من باب الاستسهال والتواجد، فقد تتعثر فى أحدهما الذى ينفرك أسلوبه من هذا القالب، لكن تبقى القصة القصيرة الجيدة هى فن فى منتهى الصعوبة.

■ كانت لك تجربتان إذاعيتان بإذاعة شهيرة.. حدثنا عن أسباب توقفها واستفادتك منها؟
- الحقيقة لا أعرف أسباب إيقاف البرنامج «ساعة لعقلك» وهو البرنامج الثانى لى هناك، الأول كان «مصر آخر حاجة» وكان برنامجاً رمضانياً وحقق نجاحاً ملحوظاً وكرمته القناة فى الحفل التكريمى السنوي، «ساعة لعقلك» الذى قدمته مع الإعلامى يوسف الحسينى كان مهتماً بتقديم الكتب بشكل شيق ومختلف، فلم يكن الهدف قراءة الكتاب بقدر استعراض المستفاد من الكتاب، وكسر الحاجز ما بين غير القارئ وبين الكتاب وهو ضمن مشروعى الأدبى بالمناسبة، وأذكر اننى عرضت كتباً لساراماجو وفيكتور هوجو وكويلهو فكانت كتبا فى منتهى القوة.

■ كيف كان رد فعل المستمعين وماذا استفدت منهم؟
- الحقيقة أن البرنامج لاقى اهتماما ملحوظا من المستمعين وتفاعلوا معه جيدا، وأهم ما تعلمته من البرنامج هو تعددية قراءة النص، فكنت أقرأ الرواية فى 3 جلسات مختلفة تحضيراً للحلقة، فوجدت نصوصاً فيها مساحات مفتوحة للكاتب تسمح للقارئ أن يكون عبقرياً فى قراءة نص لم يقصده الكاتب، وهناك نصوصاً أخرى تجد أن الكاتب يفرض عليك وجهة نظر معينة وهكذا، ثراء التجربة كانت فى اكتشافى لقارئ جديد فى الجيل الجديد متميز ويريد ان يعرف الكثير لأنه أكثر تطلعا.

■ كيف ترى مساحة اهتمام الإعلام بمختلف أنواعه بالثقافة والفنون؟
- أنا لا أرى أى مساحة الحقيقة حتى أقيمها أو أحللها، اللهم إلا عدد محدود جدا من الصحف التى تفرد صفحة للثقافة والفنون!

■ تعاملت مع دور نشر شابة واخرى شهيرة.. ما الفارق؟
- دور النشر الشابة لها ميزة أنك تستطيع تتبع كتابك وان تسأل الدار فى تفاصيل التوزيع للكتاب والإقبال عليه، بالتالى تعرف قيمة العمل الحقيقية، الدور الكبرى تحديدا دار الشروق التى أتعامل معها حاليا تتميز فى التوزيع الواسع والدولى والأهم أننى لم أواجه المشكلة التى كانت أتحسب لها.. وهى أن أعامل بشكل مختلف عن باقى كتاب الدار البارزين كالكاتب الكبير بهاء طاهر والدكتور علاء الأسوانى والكاتب محمد المخزنجى وكثيرين، الحقيقة ان هذا لم يحدث وهو ما أعجبنى جدا.