الأحد 27 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات الإخوان المسلمين اردوغان (1) الحلقة 26




المتغطرس

 يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر، أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله - أى فى النفس اللاواعية - رغبتين احداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقًا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل خصوصا المعنوية منها التى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى و التدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.

    حديثنا اليوم خاص جدا، تكمن خصوصيته ليس فقط فى طبيعة الشخصية التى نتناولها وإنما فى طبيعة التناول، فالطرح اليوم خاص جدا واستثنائى للغاية، سنتحدث عن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى الذى أثار لغطا كبيرا، ليس فقط هذه الأيام بتصريحاته ومواقفه المعادية للثورة المصرية وللرموز المصرية المهمة كالأزهر - مؤسسة وشيخا - فقط ولكن الأمر يمتد ويضرب بجذوره بشكل أقدم قليلا من مجرد حدث قريب العهد.
شخصية أردوغان لا تخرج فى إطارها العام عن الشخصية الإخوانية فى العموم، وقد ذكرنا سابقا أن الشخصية الإخوانية تتسم بالبارانوية التى بدورها تتصف بالاستعلاء وحالة تضخم الذات والتشكيك فى الآخرين وذلك عدا المقربين والموثوق فيهم بشكل كبير وهم المعروفون بأهل الثقة لا أهل الخبرة، الطبيعة الأخرى للشخصية الإخوانية تتمثل فى «السيكوباتية» وتعنى المرض الاجتماعى أو العداء للمجتمع، هنا يكون العداء للمجتمع الكبير مصر، بدءاً من عدم الانتماء وحتى الوقوع فى شرك الخيانة والتدمير والإرهاب مرورا بمراحل كثيرة عايناها ولاحظناها فى الفترة الأخيرة خصوصا بعد سقوط حكم الإخوان الإرهابى عقب ثورة 30 يونيو.

يمكن أن نصف أردوغان بكل هذه الصفات لكننا سنعرج على سمة أخرى فى شخصيته وهى اتصافه ببعض الهستيريا، نجد ذلك فى حالة الميل للاستعراض المتكرر والظهور وكأنه أفندينا أو الباب العالى العثماني، فتارة تجده يترك مؤتمر دافوس لأن بيريز - رئيس وزراء الكيان الصهيونى فى ذلك الحين - أعطى الكلمة لوقت أكثر منه ثم يروج له على انه النصير للقضية الفلسطينية، وحتى بكاؤه المتكرر على ضحايا وهميين عند فض اعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين، وأود التأكيد أن الإنسان هو مزيج من جميع الأنماط المختلفة للشخصيات ولكن تغلب عليه صفة ما تصبغ هذه الشخصية بصفة غالبة.

هذا هو الإطار العام الذى تناولناه بشكل مسبق بالنسبة لشخصيات الجماعة الإرهابية فى العموم، ونتناوله هنا بالخصوص، وتدخل التصريحات التى توصف بــ «الفرقعة» إن جاز التعبير فى هذا الإطار من السلوك الهستيرى مثل تصريحاته عن الأزهر وشيخه، وحتى وقاحة التناول وفيها جزء من الهستيريا للفت النظر، وهو أمر يشى بضعف الثقة بالنفس ومحاولة التعويض بهذا الاستعراض.

عندما أعلن الطبيب النمساوى الشهير سيجموند فرويد عن مكونات الإدراك أكد أن الإدراك يتكون بشكل رئيسى من جزءين أساسيين، الأول يسمى الوعى والآخر يسمى اللاوعى، وشبهه بجبل جليدي، أما الوعى فيمثل قمة جبل الجليد الطافية فوق سطح الماء، أما اللاوعى فيمثل جسم الجبل وهو الجزء الأضخم والأكبر المختفى تحت سطح الماء ويمثل معظم محتوى الإدراك تقريبا، لكنه أكد أن الإدراك هذا خصوصا اللاوعى هو أمر فردى - أى يميز كل شخص عن الآخر - فكل إنسان له وعيه الخاص المتفرد عن الآخرين الذى تندرج تحته كل صفاته النفسية، إلا أنه مع مرور الوقت ظهرت آراء مختلفة على يد عالم آخر شهير هو كارس جوستاف يونج وهو من كوّن مع سيجموند فرويد والفريد إدلر مثلث التحليل النفسى الشهير، وكانت هناك نقاط مهمة ورئيسية تمحور حولها الخلاف وكانت مسألة اللاوعى من أهم هذه النقاط، فقد رأى فرويد أن الوعى واللاوعى فرديان يمثلان الإنسان وفقط ولا يجاوزانه، أما يونج فيرى أن هناك ما يسمى بالوعى الجمعى وهو وعى تشترك فيه جماعة بشرية معينة مرورا واتساعا حتى تشمل البشرية كلها.

   أعود الآن إلى أردوغان الشخصية الجدلية الثرية على المستوى النفسى بكثير من التناقضات والملامح النفسية أردوغان إلى جانب تأثر وعيه الجمعى بكونه أحد أفراد جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى إلا انه أيضا يشتبك بوعيه الجمعى مع الشعب التركي، أقول هنا بكل وضوح أن هذا الاشتباك ينقلنا إلى مرحلة سابقة تاريخيا هى مرحلة الدولة العثمانية الفتية القوية وإذا تناولنا ملامح عامة لهذه المرحلة نجد أنها اتسمت بالاستعمارية فقد استطاعت أن تسيطر على المنطقة الجغرافية المعروفة حاليا بالعالم العربى.

وكانت مصر أحد أجزاء هذا الإقليم - بالطبع - ودوما يكون الاستعمار متسما بالاستعلاء وكونه الطرف ذا الغلبة يكسبه قدرا متزايدا من البارانوية وتضخم الذات، ملمح آخر وهو العداء لكل ما هو عربى وتحطيم القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعرب واللغة العربية فضلا عن الهويات الخاصة بالشعوب العريقة لا سيما مصر لصالح اللغة التركية والثقافة الاستعمارية للدولة العثمانية الاستعمارية لذا فأرى أن الاحتلال العثمانى لمصر كان من أسوأ الأحداث التاريخية التى مرت بها مصر عبر تاريخها الطويل.

وطوال الوقت تعاملت تركيا كدولة استعمارية بلا أى مكتسبات سوى مص دم الشعوب المحتلة على أنها الأقوى والأعلى وكان الأسلوب الاستعلائى واضحا فى السلوك التركى البغيض الذى وبكل أسف حسب تاريخيا على الإسلام وهو أمر يمكن تفنيده، لكن لا يتسع مقامنا هذا لذلك وربما فعلناه لاحقا والوعى الجمعى التركى يتعامل بهذا الصلف وهو بالمناسبة صلف نرجسى على أنه أفندينا الباب العالى وهو صلف كاذب بالطبع بمعنى أنه «منفوخ ع الفاض» إذا جاز التعبير وأردوغان يتعامل مع الدول العربية بهذا المنطلق على انه الخليفة أو الباب العالى أو أفندينا الذى يحكم ويتحكم من الاستانة وتأتى إليه الحبايات والجزية من الدول المحتلة التى يعدها أقل قدرا بالطبع، المهم أن هذا التصور المغلوط المعكوس والمبنى على أكاذيب صدقت لمداواة نقص شديد وضعف فى الشخصية التركية ترسخ بشكل قوى فى اللاوعى الجمعى التركى وتجده حاضرا دوما فى الحديث العثمانى.. معذرة أقصد التركى الأردوغانى.