الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

معنى أن تكون مثقفا نبيلا




بقلم: د. زين عبدالهادي

تقول «أناييس نن» الكاتبة الفرنسية التى عاشت بين 1903-1977 فى يومياتها « منذ أمد بعيد كنت قد رأيت تبريرات هنرى «تقصد هنرى ميللر الكاتب والرسام الأمريكى الذى من أشهر أعماله روايات مدار السرطان ومدار الجدى» لنوبات غضبه وعدائيته وانتقاماته فآمنت بأنها جميعا ردود فعل لمعاناة غير عادية.. وقد أظهر كثير من الكتاب الأمريكان هذه المرارة والحقد.. ولكننى عندما أقارن حيواتهم ومعاناتهم مع حيوات الأدباء الأوروبيين «دوستيوفسكى أو كافكا مثلا» أجد أن عذابات الأوروبيين أشد وطأة.. فالجميع عرفوا الفاقة والبؤس العظيم ولكنهم لم يتحولوا إلى غاضبين أو أناس عدوانيين، إذ يمكن تحويل الغيظ والغضب إلى أعمال أدبية، وإلى حنو إنسانى، إن مرض الربو الذى أصاب بروست ونفى دوستيوفسكى إلى سيبيريا ارتبط كل ذلك بحنوهم على الإنسانية»!
إن هذا النموذج الذى تسوقه الكاتبة العظيمة التى قال عن يومياتها هنرى ميللر «إن يومياتها سوف تحتل موقعها إلى جانب اعترافات القديس أوغسطين وجان جاك روسو ومارسيل بروست» يؤكد أن المثقف مطلوب منه أن يقدم رؤى جديدة للعالم، هذه الرؤى لاتتوقف فقط على الجانب الفنى والثقافى وإنما تتعداها إلى الجانب الاستراتيجى الذى يتعلق بتقدم العالم وتقدم أمة من الأمم، وهو النموذج الذى وفره واحد من أعظم وزراء الثقافة الذين عرفتهم البشرية، ألا وهو الفرنسى أندريه مالرو.
أندريه مارلو وزير الثقافة الفرنسى الذى أسس لطموحات الفرنسيين فى الثقافة بعد الحرب العالمية الثانية، ساعد فى الحفاظ على التراث العالمى فاستراتيجيته فى الثقافة بنيت على ثلاثة عناصر هى الحفاظ على التراث العالمى وتعزيز الديمقراطية الثقافية ودعم المبدع، فقد دعم مارلو الحركة الثقافية فى العالم عام 1956 ودافع عن الحفاظ على تراث البشرية فى أعالى النيل بمصر، ووقف مع حركة التحرير الجزائرية ومات ابناه فيها، وفى عام 1971 أعلن تطوعه لاستقلال البنغال، وكرمته بنجلاديش عام 1973.
فقد رأى مارلو نفسه مثقفا ثائرا، ومثقا يقدم أفكارا استراتيجية لتغيير العالم، ووجد نفسه مثقفا يدافع عن حرية فإبداع فى كل مكان، فقاتل من اجل حرية الفن وحرية الفنان، بالإضافة إلى أنه قاتل أيضا من أجل دعم المبدع، إذ لايجب أن يتعرض هذا المبدع للهوان والذل من أجل الحصول على لقمة عيشه وإلا فقد القدرة على الإبداع نفسه.
إنى اقول ذلك فى معرض البحث عن استراتيجية لوزارة الثقافة فى ظل ظروف فى غاية الصعوبة تعيشها الدولة والمجتمع، وهو ما يتطلب العودة إلى الجذور النبيلة التى تم على أسسها فى الستينيات تأسيس الثقافة المصرية فى عهد الراحل العظيم ثروت عكاشة، وزير الثقافة والفنان والمبدع المصرى العظيم، حيث كان حنان المثقف على العالم يفوق كل شىء، هكذا أجد كافكا، هكذا أجد ديستوفيسكى، هكذا كان أندريه مالرو»، هكذا أجد ثروت عكاشة.