الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفصل الأخير من الثورة




- خطاب مرسي كان زاعقاً  متوتراً وفاشلاً من الناحية الانتخابية لأنه اعطي انطباعا أنه سيسقط حتما وخطاب شفيق كان قوياً متوازنا بالورقة والقلم وحساب المقاطعين والمبطلين والاخوان وباقي الشعب.. شفيق  هو الرئيس القادم
مصر بين مرسي وشفيق، مرسي ممثل الدولة الاستبدادية المسماة خطأ بالدولة الإسلامية والإسلام لا يعرفها، وشفيق ممثل الدولة العسكرية المسماة خطأ بالدولة المدنية والمدنية لا تعرفها، وفي كلتا الحالتين كانت الانتخابات الحالية هي الفصل الأخير من الثورة المصرية، فلا مرسي من الثورة أصلا ولا شفيق محسوب عليها، فمن هو مرسي ومن هو شفيق .
من وادي المجاهيل وفد محمد مرسي علي مدينة الإخوان المسلمين، لم تكن له بها أي علاقة من قبل، ولم يسبق له في أي وقت من الأوقات أن كان من طلاب الحركة الإسلامية، رغم أن النشاط الإسلامي في الجامعات في السبعينيات  -زمن محمد مرسي-  كان علي أعلي ما يكون، ولم يحدث بعد أن تخرج مرسي في الجامعة أي اقتراب له من الإخوان المسلمين، بل كان يتحسس الطريق ويضع يده علي قلبه لو تصادف وقابل أحد الإخوان، وفي أمريكا كان دخول مرسي للإخوان علي يد الحاج مصطفي مشهور قبل منتصف الثمانينيات، وعلي مر الأيام وعندما أثبت مرسي أنه ملك يمين «خيرت الشاطر » يضعه في أي مكان أني شاء، بزغ نجمه وذاع صيته داخل تنظيم الإخوان وهو المجهول من كل خلق الله الذين أنعم الله عليهم بنعمة التفكير، حتي إذا أخذت مصر زخرفها وازينت لأول انتخابات رئاسية بعد الثورة قرر الشاطر ولا راد لقراره أن يخوض الانتخابات علي منصب الرئيس، ولكن الله لم يشأ هذا، وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين، فكان المرشح البديل هو التابع الأمين محمد مرسي صاحب التعبير الطريف لأحد المذيعين « أنا لو عصرتني هاخر فلاحين » !!.
ومن المؤسسة العسكرية وفد الفريق أحمد شفيق، لم يكن شفيق ثوريا ولا هو ينتمي للثورة المصرية، فطبيعته العسكرية النظامية تجعله ابنا للنظام وحاميا له، قد يغضب من فساد ساد، وقد يضج بالشكوي من انفلات وتخريب، ولكنه لم يثر ولم يدع غيره للثورة علي الفساد والانفلات والتخريب، وهكذا هي الجيوش النظامية.محمد مرسي هو الآخر ينتمي لجماعة محافظة، تري أنها تسعي للإصلاح، قد تغضب من فساد ساد وتضج بالشكوي من تخريب وانفلات.. إلا أنها لم تثر ولم تدع غيرها للثورة، بل كانت تحض علي كراهية الثورة، هكذا كان يفعل حسن البنا وهكذا قال في رسائله: إن الثورات خراب، لذلك كان الإخوان هم آخر من دخلوا للثورة وأول من خرجوا منها، وأي زعم يخالف هذا هو في حقيقته كذب يخرج من أفواه تمرست علي الكذب، جماعة الإخوان كانت تحب مبارك وتسبح بحمده وتتمني أن تعيش معه علي الحلال، فقد سئمت «الجماعة» من أن تظل تعيش في دور الزوجة العرفية، لذلك كان مرشدهم بديع يقول لمبارك ـ والعهدة علي اليوتيوب الذي يفضح كل شيء ـ أنت أب لكل المصريين، نتمني أن نجلس معك، نوافق علي جمال ابنك رئيسا، ولكن فقط نتمني أن يصبح رئيسا بالانتخابات!! هل يستطيع أكبر كابر فيهم أن يجحد كلماتي هذه أو يكذبها، إن فعلوا سأقول لهم اذهبوا إلي نهر الأردن وتطهروا من خطاياكم، وللذين يغمضون عيونهم عن الحقيقة أقول لهم: إن الإخوان من الفلول، ومعهم كل أحزاب المعارضة الورقية التي وظفها مبارك لتعارضه، لن يغسل عاركم كل أنهار الدنيا.
وليس أدل علي فلولية الإخوان من أن خيرت الشاطر جلس مع رشيد محمد رشيد واتفق معه علي أشياء وأشياء وعقد شركة مستترة مع حسنة رشيد وفقا لما أفادت به الأنباء وخرجت به الصحف التي لم يكذبها الشاطر وأصحابه، يرغبون في شراء شركة حديد الدخيلة تحت غطاء قطري !! لتذهب دولة رجال أعمال مبارك ثم تعود هي هي بعد أن يتم تغيير ملامحها وتجميل وجهها وتبديل اسمها إلي « مشروع النهضة » .
الانتخابات إذن بين فريقين، الفريق شفيق، والفريق « إخوان » بحسب أن مفاهيم جماعة الإخوان كلها هي محض مفاهيم عسكرية ترفع من قيمة السمع والطاعة، والتدرج في القيادة، حتي إن تعبيرات الجماعة لمن لا يعرف هي تعبيرات عسكرية، ففيها « الكتيبة » وهو لقاء شهري يجمع أعضاء الشعبة الواحدة، وفيها المعسكر وهو لقاء سنوي، وفيها  «نقيب الأسرة » وفيها رتب عضوية، ولا يجوز لك وأنت في الإخوان أن تتخطي الرتبة الأعلي منك وتذهب للأعلي منها إلا بعد الحصول علي موافقة من نقيبك.
شفيق هو الآخر لا يخفي عسكريته، وبذلك تكون الانتخابات الدائرة الآن والتي سنعرف نتيجتها في غضون ساعات هي انتخابات بين مرشحين عسكريين ينتميان للنظام السابق، أحدهما يخفي استبداده بغطاء الدين ويقول إنه المصلح الذي سيطبق الشريعة، بل هو الشريعة نفسها، إذا انتخبته فأنت تعطي صوتك للإسلام، وانتخابه فريضة علي كل مسلم ومسلمة، ولكنه لم يقل لنا: إذا كان انتخابه فريضة فما هي السُنّة إذن، والثاني يقول لنا إنه سيصلح ما أفسده النظام السابق، ولكنه لم يضع برنامجا محددا ولم ينجح متي الآن في اجتذاب شريحة كبيرة من القوي الوطنية إليه، وكان من عدم توفيقه في حركته أن الذين قادوا معركته معظمهم من الأعضاء السابقين للحزب الوطني.
ودارت رحي الانتخابات ومر يومان علي مصر هما أخطر يومين في تاريخها الحديث، يومان سيصنعان مستقبل مصر كلها، اليوم الأول للانتخابات ظهر فيه أن الإقبال علي الانتخابات سيكون أعلي من الجولة الأولي، واليوم الثاني أكد ذلك، وأغلب الظن أن نسبة الحضور ستصل إلي بضع وخمسين بالمائة بمعدل زيادة قد يصل إلي سبعة بالمائة تقريبا عن الجولة الأولي، ولكن من الذي سيستفيد انتخابيا من هذه الزيادة.
دائما ينجح الإخوان بقلة الناخبين وتفتيت المرشحين، لذلك كان من الطبيعي أن يصل مرسي للإعادة بل إن يحصل علي المركز الأول في الجولة الأولي، فالثوار الذين فتتوا أصواتهم قدموا هدية كبيرة للمرشحين مرسي وشفيق، لذلك قامت في مصر ثورة، ووصل للحكم فيها بأصوات الثوار أعداء الثورة!! وهذه لوغارتمية من لوغارتميات مصر في عهدها الحديث تحتاج إلي شروح ومجلدات واجتهادات لا في السياسة بل في السيكولوجيات، ولكن كيف ينجح الإخوان بقلة الناخبين؟ وتفتت المرشحين؟ كلنا يعلم أن الإخوان جماعة منظمة، ليست كثيرة العدد ولكنها كثيرة الجهد، لا يوجد فيها تنوع للآراء، فهي عسكرية المضامين، وفي مقابل قلة عددها توجد كثرة في مواجهتها، ولكن هذه الكثرة كغثاء السيل لأنها عصية علي الاتحاد.
أذكر أننا في يوم قديم إذ كنت في الإخوان، ذهبنا إلي معسكر إخواني في رأس سدر قبل انتخابات نقابة المحامين عام 1992، وقتها وفي جلسة سمر ليلية ألقيت محاضرة علي الإخوة فيما يتعلق بفنون الانتخابات، وكنا وقتها نضع أساسا لفكرة انتخابية إخوانية اسمها «قائمة الثقات » فكرة قائمة الثقات تقوم علي توحيد أصوات عدد من الناخبين في مواجهة ناخبين متفرقين في الأهواء ومرشحين متنازعين فيما بينهم، وعقدت حينها تجربة عملية، طلبت من أحد الإخوان أن يرشح نفسه لإدارة المعسكر في مواجهة ثلاثة آخرين من الإخوان، ثم قمت بتوجيه عشرة من الناخبين كي يعطوا أصواتهم للأخ الأول، وتركت باقي أفراد المعسكر وعددهم خمسة وعشرين بلا توجيه، يعطون أصواتهم لمن يرغبون، وجاءت النتيجة، فإذا بالأخ الذي تم توجيه عشر أصوات له ينجح بفارق كبير لأن أصوات باقي الناخبين تفتت بين باقي المرشحين .
 فإذا كانت الانتخابات إذن بين فرد إخواني، وفرد غير إخواني كان من السهل علي غير الإخواني أن ينجح وبفارق، لأن الأصوات التي يتم توجيهها والمحسوب معظمها علي التنظيم ستكون في كل الأحوال أقل من الأصوات الأخري الحرة، لذلك.. فإن الراصد لانتخابات مجلس الشعب الفائت، المنحل، يستطيع أن يفهم لماذا نجح مصطفي النجار المحسوب علي القوي الليبرالية في مواجهة الإخواني السلفي محمد يسري بفارق كبير رغم أن هذا الأخ يسري وقف خلفه السلفيون والإخوان، نفس الموقف تكرر مع عمرو حمزاوي، ومحمد أبو حامد، وعمرو الشوبكي، وعمرو عودة الذي نجح بفارق كبير في مواجهة الإخواني البرلماني المخضرم عصام مختار .
مرسي إذن سيصوت له الإخوان وفريق من السلفيين وقليل من الليبراليين والثوار وبعض العوام الذين تأثروا بالدعاية الدينية، وسيرفضه كل من فقد الثقة في الإخوان ومن أصيبوا بخيبة أمل فيهم، وسيرفضه كذلك كل من لم يقتنعوا به كمرشح قليل الإمكانيات ضحل الفكر بلا أي قدر من كاريزما أو تأثير أو خطاب سياسي مؤثر.
أما شفيق ففرصه أكبر، إذ سيحصل علي أصوات الحزب الوطني والعائلات والقبائل التي لها أكبر التأثير في الريف وفي صعيد مصر، وسيحصل علي أصوات البسطاء الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار خاصة أن شفيق ركز في خطابه علي هذين العنصرين، وسيحصل علي أصوات الأقباط وعدد كبير من الكارهين للإخوان ـ وهم كثرة ـ وكذلك سيحصل علي أصوات لا بأس بها من أفراد الدولة العميقة، والعلمانيين، والليبراليين، تستطيع أن تقول أيضا إن «حزب الكنبة»  بأكمله سيكون مع شفيق، أما الذين يرفضون الدولة العسكرية والدولة الدينية فسيبطلون أصواتهم وبذلك لن يستفيد مرسي من أعداء الدولة العسكرية ولن يخسر شفيق من حجب أصواتهم عنه لأنها لن تذهب لمنافسه.
واحد أمام واحد تكون النتيجة دائما واحد من غير الإخوان، وتزداد فرص غير الإخواني كلما زاد عدد الناخبين، من أجل هذا تصبح فرص شفيق في هذه الانتخابات أكبر بكثير من فرص مرسي، دون الحاجة إلي تزوير أو تدخل حكومي، هذه عملية حسابية انتخابية، نعم هناك كثرة يرفضون شفيق، ولكنهم أيضا يرفضون مرسي، وهؤلاء سيقاطعون أو سيبطلون أصواتهم، ومحصلة هذه المقاطعة وهذا الإبطال سيصب في مصلحة شفيق قطعا، أما من قرروا أن يعصروا علي أنفسهم كيلو ليمون حتي ينتخبوا مرسي.. فإنهم مع تقديري لهم مجرد عدة آلاف محسوبة علي النخبة المثقفة الليبرالية وهذه النسبة ليس لها أي تأثير علي نتيجة الانتخابات.
الخطاب الأخير يكون دائما هو صاحب الانطباع الأخير، وقد كان خطاب مرسي الأخير فاشلا من الناحية الانتخابية لأنه أعطي للكل انطباعا أنه سيسقط حتما وأن السقوط سيكون بسبب تزوير! وكأنه يضع أمام الناس مبررا لسقوطه، وهذا الخطاب اشترك فيه مع مرسي كل قيادات الإخوان التي تحدثت مع الرأي العام، وأي فاهم للانتخابات يعرف أن الآثار السلبية لهذه الطريقة كثيرة، فخير لك أن تضع انطباعا بالقوة والثقة من أن تضع خطابا تبريريا، خاصة مع شعب نصفه أمي، يعطي صوته للقوي، ويحجب صوته عن الضعيف المتوقع سقوطه، لذلك كانت إحدي القواعد الانتخابية هي « تصدير القوة » فتصدير القوة قوة، وتصدير التبرير ضعف، خطاب مرسي كان زاعقا متوترا متوعدا، ومثل هذه الخطابات تصلح في المظاهرات ولكنها تجر علي صاحبها الخيبة في الانتخابات.
أما خطاب شفيق فقد كان قويا  إذ تحدث بصيغة أنه الرئيس الذي يقدم وعوده للشعب،  ومر علي محافظات مصر محافظة محافظة متحدثا عن مشاكلها،  وغازل الشباب والعاطلين والجامعيين والفلاحين والعمال، ورغم أن كلامه كله كان وعودا معظمها غير مدروس، إلا أنه خطاب انتخابي من الطراز الأول، وقد أفلح من كتب له هذا الخطاب، فقد اهتم بتصدير القوة التي تؤثر علي المصري في خياراته، فمعظم العاديين في مصر يتجهون إلي التصويت للقوي « لأنه ناجح ناجح وحتي لا نُضيّع أصواتنا » .
إلا أن الإدارة الانتخابية من لجنة الإشراف علي الانتخابات لم تكن موفقة بالمرة، فقصة أقلام الحبر الجاف المتطاير، وإلزام المواطنين علي التصويت بأقلام من عند لجنة الانتخابات هو من الأمور التي كان يجب أن تبتعد عنها لجنة إدارة الانتخابات إذ بتصرفها هذا ألقت بظلال من الشكوك حول مصداقية الانتخابات وحيادية اللجنة، والحقيقة لا أعرف من هو الشيطان الذي أوحي للجنة الانتخابات بهذه الفكرة، خاصة أنه تزامن مع هذا الأمر « إخراج إعلامي»  سقيم يبدو أنه من نبت خيال « الحزب الوطني» عن قصص خرافية تروج لأياد خارجية وأجندات وخلافه وهي قصص تكررت أيام الثورة وفقدت مصداقيتها تحت أقدام « تامر بتاع غمرة » و « نعمة بتاعة مصر الجديدة « .
الأمر الأغرب في هذه الانتخابات هو أن الإخوان عندما فقدوا الأمل في النجاح اتجهوا بكل قوتهم للتزوير الممنهج والتأثير علي إرادة الناخبين تحت شعار « الضرورات تبيح المحظورات « وما زالت قصة المطابع الأميرية وكشوف إبداء الرأي المزورة لم تفصح بعد عن الحقيقة ولم تمط اللثام عن كامل الحقيقة، وإذا تجاوزنا مخالفات الطرفين الكثيرة التي ارتكبوها في يومي الانتخابات إلا أن هذه التجاوزات لا تؤثر ـ وفقا لرأي الإخوان في المرحلة الأولي ـ علي نتيجة الانتخابات لأنه محدودة، ولكن بالورقة والقلم وبحساب المقاطعين والمبطلين والإخوان وباقي الشعب فإن شفيق هو الرئيس القادم ، ووفقا للورقة والقلم أيضا فإن شفيق سيتخطي مرسي بنسبة لن تقل عن عشرة بالمائة، لذلك انتظروا أن تكون النتيجة قريبة من خمسة وأربعين بالمائة لمرسي، وخمسة وخمسين بالمائة لشفيق، ويا أسفي علي الإخوان الذين قدموا الحكم هدية للعسكريين، ويا أسفي علي شباب الإخوان الذين وقعوا في تضليل قياداتهم، ألا ليت الشبابُ يعود يوما فأخبره بما فعلت به جماعة الإخوان، أغلقت عيون الشباب، ووضعت أكياسا من القطن في أذنه، وصادرت لسانه، ولم تُعلّمه إلا السمع والطاعة التي لا يتعلمها إلا العسكر ، وعطلت عقله عن التمييز، ثم بثت في نفسه الثقة في القيادة بحيث أصبح من العار أن يزن بعقله ـ المعطل أصلا ـ مواقف قياداته السياسية لأنه لن يكتمل إيمانه إلا إذا آمن أن قياداته تري ما لايراه وتفهم ما لا يفهمه، وإمعانا في هذا الأمر فإنهم يضعون في وجدانه أن قياداته هم « إخوانا فوق « أم هو فهو ذلك الأخ الذي لا يملك من أمره شيئا ويجلس أسفل التسلسل التنظيمي وقد قهرته الهزيمة النفسية متصورا أنه يتعبد لله بخضوعه وإلغاء عقله .