الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حوارى الرسول ..الزبير بن العوام




المنهج الإلهي - في إصلاح البشرية وهدايتها إلي طريق الحق - يعتمد علي وجود القدوة التي تحول تعاليم ومبادئ الشريعة إلي سلوك عملي، فكان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هو القدوة التي تترجم المنهج الإسلامي إلي حقيقة وواقع، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب:21)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلي الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»، وقال صلي الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، لهذا كانت لنا هذه الوقفة مع الأنبياء والصحابة والرعيل الأول من النساء المسلمات لنتعلم منهم وعنهم.
إنه الزبير بن العوام -رضى الله عنه- الذى يلتقى فى نسبه مع النبى صلى الله عليه وسلم، فأمه صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أحد الستة أهل الشورى الذين اختارهم عمر؛ ليكون منهم الخليفة بعد موته، وزوج أسماء بنت أبى بكر الصديق -رضى الله عنه-.
وقد أسلم الزبـير مبكرًا، فكان واحدًا من السبعة الأوائل الذين سارعوا إلى الإسلام، ولما علم عمه نوفل بن خويلد بإسلامه غضب غضبًا شديدًا، وتولى تعذيبه بنفسه، فكان يلفُّه فى حصير، ويدخن عليه بالنار، ويقول له: اكفر برب محمد، أدرأ صلى الله عليه وسلم أكف) عنك هذا العذاب. فيرد عليه الزبير قائلاً: لا، والله لا أعود للكفر أبدًا. [الطبرانى وأبو نعيم].
وسمع الزبير يومًا إشاعة كاذبة تقول: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قتل، فخرج إلى شوارع مكة شاهرًا سيفه، يشق صفوف الناس، وراح يتأكد من هذه الشائعة معتزمًا إن كان الخبر صحيحًا أن يقتل من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقى النبى صلى الله عليه وسلم بشمال مكة، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم «مالك؟» فقال: أخبرت أنك أخذت صلى الله عليه وسلم قُتلت). فقال له النبى صلى الله عليه وسلم «فكنت صانعًا ماذا؟» فقال: كنت أضرب به من أخذك. ففرح النبى صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا، ودعا له بالخير ولسيفه بالنصر.[أبو نعيم]. فكان -رضى الله عنه- أول من سل سيفه فى سبيل الله.
وقد هاجر الزبير إلى الحبشة مع من هاجر من المسلمين، وبقى بها حتى أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى المدينة.
وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغزوات كلها، وفى غزوة أحد بعد أن عاد جيش قريش إلى مكة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من المسلمين فى أثرهم، كان منهم أبو بكر والزبير. [البخاري].
ويوم اليرموك، ظل الزبير -رضى الله عنه- يقاتل جيش الروم وكاد جيش المسلمين يتقهقر، فصاح فيهم مكبرًا: الله أكبر. ثم اخترق صفوف العدو ضاربًا بسيفه يمينًا ويسارًا، يقول عنه عروة: كان فى الزبير ثلاث ضربات بالسيف، كنت أدخل أصابعى فيها، ثنتين صلى الله عليه وسلماثنتين) يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.
وقال عنه أحد الصحابة: صحبت الزبير بن العوام فى بعض أسفاره، ورأيت جسده، فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك لم أره بأحد قط، فقال لي: أما والله ما فيها جراحة إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى سبيل الله. وقيل عنه: إنه ما ولى إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئًا إلا أن يكون فى غزوة مع النبى صلى الله عليه وسلم أو مع أبى بكر أو عمر أو عثمان.
وحين طال حصار بنى قريظة دون أن يستسلموا أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
على بن أبى طالب، فوقفا أمام الحصن يرددان قولهما: والله لنذوقن ما ذاق حمزة، أو لنفتحن عليهم الحصن.
وقال عنه النبى صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبى حواريًا وحوارى الزبير» [متفق عليه]. وكان يتفاخر بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال له يوم أحد، ويوم قريظة: «ارم فداك أبى وأمي».
وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها لعروة بن الزبير: كان أبواك من الذين استجابوا لله وللرسول من بعدما أصابهم القرح تريد أبا بكر والزبير)
[ابن ماجة].
وكان الزبير بن العوام من أجود الناس وأكرمهم، ينفق كل أموال تجارته فى سبيل الله، يقول عنه كعب: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما كان يدخل بيته منها درهمًا واحدًا صلى الله عليه وسلم يعنى أنه يتصدق بها كلها)، لقد تصدق بماله كله حتى مات مديونًا، ووصى ابنه عبد الله بقضاء دينه، وقال له: إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي. فسأله عبد الله: أى مولى تقصد؟ فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير. يقول عبد الله فيما بعد: فوالله ما وقعت فى كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه. [البخاري].
وعلى الرغم من طول صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرو عنه إلا أحاديث قليلة، وقد سأله ابنه عبد الله عن سبب ذلك، فقال: لقد علمت ما كان بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرحم والقرابة إلا أنى سمعته يقول: «من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار» [البخاري]. فكان -رضى الله عنه -يخاف أن يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يقله، فيزل بذلك فى النار.
وخرج الزبير من معركة الجمل، فتعقبه رجل من بنى تميم يسمى عمرو بن جرموز وقتله غدرًا بمكان يسمى وادى السباع، وذهب القاتل إلى الإمام عليّ يظن أنه يحمل إليه بشرى، فصاح عليٌّ حين علم بذلك قائلاً لخادمه: بشر قاتل ابن صفية بالنار. حدثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قاتل الزبير فى النار. [أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني].
ومات الزبير -رضى الله عنه- يوم الخميس من شهر جمادى الأولى سنة صلى الله عليه وسلم36هـ)، وكان عمره يوم قتل صلى الله عليه وسلم67 هـ) سنة وقيل صلى الله عليه وسلم66) سنة.