الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السياسة تسيطر على المنبر.. والعشوائية تهدمه.. والدعوة «ضحية»

السياسة تسيطر على المنبر.. والعشوائية تهدمه.. والدعوة «ضحية»
السياسة تسيطر على المنبر.. والعشوائية تهدمه.. والدعوة «ضحية»




تحقيق - محمود ضاحى

فى ظل مناداة الدولة بتجديد الخطاب الدينى، يخرج بعض المتطرفين من الدعاة ليتحدث فى السياسة على المنابر وفى المساجد لصالح أهواء وتحزبات بعينها، الأمر الذى يحدث خللاً فى عقول الناس خاصة الفقراء والبسطاء فى القرى والأرياف، وتناسوا قول النبى «صلى الله عليه وسلم» الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.
وقال عدد من الدعاة إنه للقضاء على المتشددين لابد من سن قانون يعاقب كل من يصعد المنبر من المتشددين ليتحدث فى أمور سياسية ويحرض الناس على التطرف والعنف والتظاهر، مطالبين فى نفس الوقت بتحسين حال الدعاة حتى لا يبيع دينه ودعوته مقابل المال، فالإمامة فى الإسلام لها منزلة عظيمة، وتلعب دور تعليم وتذكير، وأمر بمعروف ونهى عن المنكر، فبالعلم يزول الجهل، وبالتذكير تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تسود طاعة الله فى المجتمع وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.


وأضافوا أن تجديد الخطاب الدينى لن يتحسن أو يهتم به مادامت الأحوال المادية للداعية فى مصر ضائعة، فإمام المسجد يعمل فى مهن غير مهنة من أجل توفير قوت يومه لأولاده، مشيرين إلى أن هناك مشروعاً مقدماً لمؤسسة الرئاسة فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور فيه الكثير من إصلاح حال الأئمة، من أجل تجديد الخطاب الدينى.
ويقول الشيخ عبدالناصر بليح المتحدث باسم نقابة الأئمة والدعاة إنه للقضاء على تطاول المتشددين على المنابر والفتاوى لابد أن تكون له أولوياته وخططه فلن يتم القضاء على هذه الظاهرة اعتباطًا ولا فى يوم وليلة ولكن لابد من أخذ آليات ووضع خطط وبرامج لهذا الأمر، وزيادة على ذلك يتم تنفيذ القوانين بحذافيرها ومن هذه الأمور تكاتف جميع مؤسسات الدولة من أجل القضاء على هذه الظاهرة بمعنى أن يتم وضع خطة مشتركة بين الأوقاف والأزهر والعدل والداخلية والحكم المحلى، بحيث لا تتخلف جهة ولا تتقاعس عن الدور المرسوم لها فى ظل القانون ومن يثبت تخاذله من هذه الجهات أو تورطه فى مثل هذه الأمور يعاقب عقابًا شديدًا.
وأوضح أنه يجب وضع خطة لتنشيط الدعوة وتطوير الخطاب الدينى تتمثل فى صيغة الخطاب الوسطى المعتدل ويتم وضع برنامج تدريبى للأئمة والدعاة وخطباء المكافأة ويتم تكثيف المرور والمتابعة على تطبيقه ويثاب الملتزم ويعاقب المهمل.
وطالب «بليح» بالتخلص من القيادات والمديرين والمفتشين المنتمين والذين لهم ميول سياسية مهما كانت صلتهم ومراكزهم فورًا لأنهم معول هدم لما يقوم به وزير الأوقاف من اتخاذ قرارات وترتيبات فكيف يستقيم الظل والعود مائل، وتعين قيادات وسطية واعية ومدركة لطبيعة المرحلة وغيورين على دينهم وبلدهم حتى يطبق القرارات والقوانين دون تحيز ودون مماطلة.
وأكد ضرورة وضع قانون لبناء المساجد والحد من العشوائية وعودة المسجد الجامع ولدينا قانون تقدمنا به أكثر من مرة للمسئولين مضمونه أن يتم حصر جميع المساجد على الطبيعة وإصدار قانون بعدم بناء مسجد إلا عن طريق الأوقاف والمحافظة والزراعة والطرق والإسكان، ويوضع له شروط بحيث يتم عمل حصر تعداد سكانى للمنطقة المراد بناء مسجد بها على أن يكون نصيب الفرد متر مربع فى دور العبادة ويكون توسيع المسجد مستقبليًا رأسيًا وليس أفقيًا.
أما حول تطوير الخطاب الدينى والذى يحتاج إلى آليات معينة وجهود ضخمة لتطبيقه فهذا الأمر يحتاج إلى وضع خطة محاورها تنشيط الدعوة وتطوير الخطاب الدينى للالتزام بها وتطبيقها وهذه الخطة قد تقدمنا بها أكثر من مرة للمسئولين، ولكن لم يطبق منها سوى قشور بسيطة مثل الدرس والقافلة وحتى القافلة لا تطبق حيث ينبغى أن يتم وضع برنامج لها بحيث تشمل جميع مؤسسات الدولة من مراكز شباب ومدارس ومعاهد وجامعات ومديريات أمن ومصالح حكومية وتكون على هيئة حوارات هادفة للرد على أسئلة الشباب وما يدور بخاطرهم من أفكار متطرفة وإلحاد وخلافه.
وتابع: كذلك تدريب الطلبة على الخطاب الوسطى بالمسجد عن طريق الأئمة، وإنشاء لجنة فتوى فى كل حى وقرية بالمسجد الكبير يجتمع لها الأئمة يومين فى الأسبوع من بعد صلاة العصر للرد على استفسارات الجماهير وتتصل مباشرة بالوزارة والخط الساخن لدار الإفتاء، ويتم تدريب عدد من الأئمة على الفتوى، ويتم صرف مقابل للأئمة على ذلك أجر نظير عمل لتحسين أوضاعهم المالية والاجتماعية.
ويقول الداعية الإسلامى الشيخ حمدى قدوسة نقيب الأئمة بالقليوبية: إن الإمامة فى الإسلام لها منزلة عظيمة، وتلعب دور تعليم وتذكير، وأمر بمعروف ونهى عن منكر، فبالعلم يزول الجهل، وبالتذكير تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تسود طاعة الله فى المجتمع وتضحمل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.
ويضيف أن الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق، وصفوة الخلق، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدى بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتتهذب الأخلاق، ويسعد الناس بالأئمة الأكفاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة ــ صلى الله عليه وسلم ـ ولما كان أمر الإمامة عظيمًا، دعا النبى  صلى الله عليه وسلم ــ للأمة بالرشد، لكن لما وجدت الانتماءات الحزبية بين الأئمة والدعاة فى عصرنا اليوم فسدت الدعوة.
ويوضح أن هناك عدة أمور تساعد المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأوقاف للقضاء على انتماءات الأئمة البحث فى أسباب انتماءات رجل الدين وكيفية إزالتها، فإن كان السبب هو المال فننظر إلى مصادره وكيفية القضاء على هذه المصادر وبالتالى يرجع الإمام عن انتمائه.
ويشير إلى أنه يعرف الإمام أنه منتم سياسيًا عن طريق عمل اختبارات سياسية للأئمة والوعاظ من قبل المؤسسات الدينية فى مصر، وكل من يرتقى المنبر ونترك لهم اختيار المواضيع مدة معينة التى يبدأ الحديث فيها عندها سنعرف الخبيث من الطيب وبالتالى يسهل علاجه وإرجاعه عن غيه وانتمائه، ودراسة المنهج الذى ينتمون إليه وكشف زيفه وأنه على ضلال وبالتالى يتراجع المنتمى  إليه ويتوارى خجلاً من انتمائه لافتًا أيضًا إلى أن هناك تراجع من الكثير عن انتماءاتهم بسبب زيف ما انتموا إليه، وكل من تراجع عن انتمائه نعيد تأهيله ونعيد انخراطه فى المجتمع بحب لا إذلال فيه ورحابة صدر حتى يكون ذلك تشجيعًا لغيره بالتراجع عن انتمائه.
وقال إن هناك أئمة يتخذون منهج مصالحهم فوق أى مصلحة حتى وإن كانت مصلحة أمن البلد فلابد من كشفهم للناس، وهناك مناهج تظهر حقائق وتتشدق بها وتضع وسطها مصائب فينخدع كثير من الناس، فكشف هذه المناهج كفيل بتراجع الكثير من المنتمين إليهم.
وعن الأحوال المادية للداعية فى مصر، أكد أنه لابد أن ينظر لها بعين الاعتبار فلها دور كبير فى هذه الانتماءات، وهناك مشروع مقدم لمؤسسة الرئاسة فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور فيه الكثير من إصلاح حال الأئمة، وبعد معالجة هذه الأمور بكل جوانبها نستطيع الخوض فى تجديد الخطاب الدينى بهمة ويؤتى ثماره سريعًا وتكون ملموسة إذ  لا يمكن أن نطالب إماماً بتنفيذ منهج وحقوقه ضائعة أو نأمره بتجديد خطاب وهو منتم فانتماؤه يقف حائلاً وسداً منيعًا فى تنفيذ ما يطلب منه.
ومضى يقول: كفانا عملاً بعشوائية أو مخططات سياسية أو تعليمات سيادية كل هذا لا يجدى، لابد من معالجة فكرية وعلمية مدروسة ومحسوبة حتى تأتى النتائج المرجوة، فالحمل ثقيل نسأل الله أن يعين من يحمله والخطب جسيم نسأل الله أن ييسره لقول النبى صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين.
أما الداعية إسلام النواوى بإدارة البحوث والدعوة بالأوقاف قال إن الإمام هو ألترس الأساسى فى عملية الدعوة، فهو الذى يلتحم بالجمهور ويعيش معهم، ولو لم يلق رعاية وعناية، لن يقوم بواجبه كما ينبغى، فقديما فى عهد الخلفاء، كان يضرب للعلماء من بيت مال المسلمين ضربًا وكان العلماء يأنفون أن يأخذوا من هذا المال لكن مجرد أن يضرب للعلماء فى بيت المال يعنى أن الدولة تكفلهم فهم فى مكانة عالية، أما ما نلاحظه أن رعاية الدولة للعلماء والدعاة فيها تقصير ليس فى الجانب المادى فحسب بل فى الجانب المادى الأدبى كيف يتجدد داعية طوال اليوم مشغول بجمع قوت أولاده طولا النهار، فهناك من الدعاة من يضطر أن يتعلم صنعة، حتى يحسن من وضعه، فى حين أن دعاة الجماعات الإسلامية، الذين لم يتربوا على منهج الدعوة، ينفق عليهم إنفاقًا جيدًا، ويسوقون تسويقًا جيدًا، نعترف أن بعض الدعاة لديهم قصور لكن تقصيرهم ليس نابعاً منهم ولكن من الظروف التى أحاطت بهم.
وأضاف أن الداعية لابد أن ينفق عليه جيدًا ويدرب جيدًا لأنه حصن الدفاع الحصين فى معركة التفكير، وتحسين وضع الإمام لن يكلف الدولة الكثير، فالأزهر والأوقاف لديهما من الوقف ما يسمح بذلك، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة لديه مشروعات ناجحة ورائعة فى زيادة ريع الوقف، ولا أدل على ذلك من أن صناديق النذور حققت فى عام زيادة بالملايين، بعد تشديد الرقابة عليها من قبل وزير الأوقاف، لكن هذا الجهد لن يظهر إلا بانصلاح حال الإمام، وكيف نصلح حاله، فلابد من رفع الأجور بشكل يفرغ الإمام للدعوة، وهذا أساس، ووضع خطة تدريب نصف سنوية تشمل جميع الأئمة.
ويوضح الشيخ محمدى الصعيدى عضو أمانة الفتوى أنه على كل خطيب أن يلتزم بالخطبة المصرحة له من الوزارة لتوحيد الخطاب الدينى مطالبًا الدولة بتقديم كل التزامها بحقوق الأئمة والدعاة من كادر وغيره، مشيرًا إلى أن البعض يرى الدعوة إلى الله مجرد معلومات محفوظة الداعية فيلقيها على الناس أو خطب حفوظة يرددها كما يسمعها، ليست الدعوة كذلك لكنها فن وعلم ومعرفة ودراية وتخصص، مضيفًا أن الدخلاء على الدعوة وأصحاب الفكر التكفيرى هادمون للدعوة.
ومضى يقول: على الإمام الذى يشعر بأحزان أمته ومتاعبها ويعيشها ويعايشها أن يراعى فى هذه الفترة التوجيهات المباركة التى تدعو إلى التآلف والانسجام، والتماسك والالتئام، فالمساجد يجب أن تكون مراكز إشعاع تضىء الطرق لهداية الإنسان، وترسخ فى نفسه الشعور بالارتياح والاطمئنان، ليصبح المجتمع آمنًا مستقرًا، وتقوى الصلة بين أفراده، وتتوطد العلاقة بين أبنائه، ويعيش الجميع حياة سعيدة.
الشيخ أحمد البهى نقيب الأئمة بالإسكندرية ورئيس حركة أئمة بلا قيود أكد أنه للقضاء على العناصر المتطرفة والإرهابية داخل الأوقاف يأتى عن طريق سن قانون يعاقب من يظهر تحزبه السياسى بالإيقاف عن العمل الدعوى ونقله لأعمال إدارية مثل إحالة القضاة للصلاحية.
وأضاف: أن مناقشة تجديد الخطاب الدينى والمطالبة به دون العمل على تحسين دخل الأئمة مثل الحرث  فى الماء، وأفراد الشرطة والجيش زادت رواتبهم لتشجيعهم على بذل مجهود إضافى، فلابد من مراعاة حقوق الأئمة المادية.
وعن آراء الأهالى، تقول أنديانا خالد تسكن فى كرداسة إنه فى بعض الأماكن الريفية تشجع الدعاوى السياسية على المنابر على التعصب للرأى السياسى خاصة الفقراء والبسطاء، خاصة عندما تهاجم الحكومة أو مؤسسات الدولة أو تدعو عليها.
وأضافت أنه فى المدينة مثل كرداسة المساجد الكبيرة التى هناك تركز عليها من الأوقاف والدولة، دائمًا تكون ملتزمة بالخطب الدينية التى تعدها الأوقاف وبمدة الخطبة لكن فى الأرياف الأئمة يتحدثون فى أى شىء ولا يوجد من يحاسبهم.
مصطفى خيرى حاصل على ليسانس دار العلوم قسم الشريعة، أكد أن خطباء المساجد يستغلون منابر الدعوة إلى اتجاهات سياسية وكان لذلك أثر سلبى على جميع طبقات المجتمع، ومما أدى إلى فقدان خطبة الجمعة بريقها ومهامها الأساسية وهى الدعوة إلى الله ورسوله.
وأضاف أن العديد من الخطباء كانوا يسعون لترويج منهج سياسى معين أو فكر ينتمى هو إليه، مما جعل الفقراء والأشخاص الذين يرون بساطة الدين ويسره أنه لا علاقة لهؤلاء الخطباء بالدين وهو ما زاد من خطورة الأمر أصبح الخطباء يحرضون على العنف سواء جسديًا أو فكريًا ولا يقل العنف الفكرى عن العنف الجسدى فأصبح فى البيت الواحد أكثر من اتجاه سياسى لا يقام على التفاهم بل يقام على العنف.
ومضى يقول إنه إذا كان الفرد لديه فكرة عنف واحدة فعندما يذهب للمسجد ويرى أن الخطيب يحرض على العنف ويناقش الأفكار السياسية تترسخ داخله عقيدة العنف فيصبح بينه وبين أخيه بغض ونفور وقتها يكون الخطيب قد وقع فى إثم كبير أولاً، لأنه حرض على العنف والقتال بدلاً من الدعوة لدين الله وأعظم من ذلك أنه استخدم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موضع غير موضعه.
وأشار محمد سعودى  دراسات عليا جامعة القاهرة إلى إن هناك بعض خطباء المساجد استغلوا المنابر فى الحشد إلى فصيل معين وإقناع المصلين بتيار الإسلام السياسى للفوز فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل 30 يونيو، ولكن لم يكن هناك خطيب يحث على التطرف والإرهاب بل كان الهدف فقط المشاركة السياسية لصالح فصيل أو تيار معين.
وأضاف أنه بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلطة امتنع جميع الخطباء عن الحديث فى السياسة على المنابر فى صلاة الجمعة، والتزموا بالخطبة الموحدة، ولم يستطع أى خطيب الحديث فى السياسة على المنابر خوفًا من فرض عقوبات عليه من قبل وزارة الأوقاف.