وفاة «حارس النفط» تثير المخاوف العالمية حول مستقبل السعودية
أميرة يونس
ترجمة - أميرة يونس
أعد معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى دراسة حول أوضاع المملكة العربية السعودية عقب وفاة الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» تقول فيها إنه كان من المعروف بالنسبة للأوساط السياسية العالمية أن هذه الأيام ستشهد ملكا جديدا للسعودية خاصة عقب الأنباء التى توالت عن تدهور صحة الملك عبد الله والتكتم الشديد على حالته الصحية قبل وفاته، الأمر الذى أثار مخاوف حول استمرار الاستقرار والسياسة المستقبلية لهذه الدولة المركزية فى الوقت الذى تواجه فيه المنطقة تحديات خطيرة فى الداخل والخارج وأنه مهما كانت هوية الملك الجديد فإنه سيواجه تحديات لا
يستهان بها.
وأشارت الدراسة إلى أنه قبل الإعلان عن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز لمقاليد الحكم كان هناك قلق كبير يسود العالم العربى الذى يواجه ظروفا عصيبة والذى يرى أن للاستقرار السياسى فى المملكة العربية السعودية تداعيات على المستويين العربى والعالمى بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط من حيث عائدات النفط والغاز التى ظلت حتى الآن بمثابة نقطة هامة استخدمتها دول الخليج من أجل تشكيل المشهد الشرق أوسطى، مضيفة أنه عن طريق تلك « النقطة « استطاعت المملكة دعم بعض الأنظمة وتقويض أنظمة أخرى وهذا وفقا للمصالح الجيو-استراتيجية (وأحيانا الطائفية لهذه الأنظمة)، مثل الموقف الذى تتخذه المملكة من ناحية إيران الشيعية، ناهيك أن المملكة تواجه تحديات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية، تتمثل فى ملفى الارهاب وتمدد الاسلام التكفيرى اللذين يشعلان المنطقة من العراق الى سوريا واليمن ولبنان، فضلا عن ملف العلاقات المضطربة مع إيران.
وأضافت الدراسة أن عملية الانتقال السلس وغير المسبوق للحكم إلى العاهل السعودى الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز عزز الانطباع بأن المملكة نجحت فى تأمين استمرارية الحكم والنهج المتبع، الأمر الذى أكده الملك الجديد فى اول كلمة له بعد اعتلائه سدة الحكم حين أعلن ان المملكة بقيادته ستستمر على النهج نفسه الذى سار عليه اسلافه، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تواجه فيه المملكة تحديات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية، والتى تتمثل فى ملفى الارهاب وتمدد الاسلام التكفيرى اللذين يشعلان المنطقة من العراق الى سوريا واليمن ولبنان، فضلا عن ملف العلاقات المضطربة مع ايران.
وتؤكد الدراسة أنه فى حال بقيت أسعار النفط بمستواها الحالى ولفترة طويلة فإن الاحتياطيات السعودية ( البالغة 750 مليار دولار) ومعها القدرات على تزويد اللاعبين المختلفين مثل مصر والأردن، بل المواطنين السعوديين أنفسهم ستتآكل ومعها الركيزة الاقتصادية، الأمر الذى دفع الملك سلمان الى تأكيد بقاء وزير النفط «على النعيمى» فى منصبه وهو ما اعتبره مراقبون أنها رسالة لطمأنة سوق النفط إلى عدم حدوث أى تغيير فى سياسة المملكة على هذا الصعيد، فى ظل التراجع الحاد فى أسعار النفط.
وتابعت أن هناك تقديرًا سائدًا داخل المملكة العربية السعودية وخارجها بأن الاستقرار السياسى مرتبط ارتباطا وطيدا بصحة وعمر الحاكم الذى يقف على رأس هذه المملكة لذلك فإن إقامة الملك عبد الله بن عبد العزيز فى المستشفى ولفترة طويلة وهوالمحافظ على النفط والحارس للأماكن المقدسة للمسلمين أثار مخاوف حول الاستقرار والسياسة المستقبلية لهذه الدولة المفتاحية، وذلك على الرغم من محاولات الأسرة الحاكمة فى السعودية بث رسائل بأن الأمور عادية وطبيعية لكن كان هناك قدر من عدم اليقين فيما يتعلق بالحالة الصحية وقدرة الملك عبد الله على شغل مهامه، إذ أن الملك يبلغ من العمر 91 عامًا وقد دخل المستشفى فى 31 ديسمبر 2014 لإجراء فحوصات طبية أسفرت عن خروج تقارير مفادها أن الملك يعانى من التهاب رئوى ويحتاج إلى التنفس الصناعى بشكل مؤقت، إلا أن حالة ألا يقين فيما يتعلق بالوضع الصحى للملك صعدت من حالة الإرتباك فى المملكة السعودية، موضحة أن هذا التكتم والمماطلة فى الإفصاح عن حقيقة الحالة الصحية للملك كانت تصب فى المصلحة العليا للأسرة الملكية السعودية وهى بقاء السلطة بيدها.
ولهذا كان هناك أهمية كبيرة للقدرة على نقل السلطة فى المملكة بشكل سلس قدر المستطاع، الأمر الذى يفسر تعيين ثلاثة من أولياء للعهد خلال أقل من سنة، وهى حقيقة تؤكد وجود مشكلة ذات دلالات فورية ومباشرة فطالما أنه لم يعين ولى عهد من بين أحفاد ابن سعود فإن قضية الوراثة أوالتوريث والتى تتمثل فى القدرة على إعطاء الجيل الجديد من الزعماء مسئولية إدارة الشئون الحاسمة للملكة تعتبر دلالة على أن هذا الأمر من وجهة نظر كبار العائلة المالكة يهدد استقرار البلاد والمنطقة.
وتقول الدراسة إن المراقبين خلال فترة مرض الملك عبدالله توقعوا عدة شخصيات لتولى سدة الحكم من بعده وكان العرف السائد منذ عهد ابن سعود والد الملك عبد الله ومؤسس المملكة السعودية المعاصرة يقوم على نقل العرش إلى أبنائه، أى للإخوة غير الأشقاء للملك عبد الله وهوولى العهد ووزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز وهى عملية نقل السلطة بالتوريث التى سارت حتى الآن بشكل سلس وبالفعل فإن للملك عبد الله ولى عهد لديه خبرة فى شخص «سلمان بن عبد العزيز» وهو ما ينبغى أن يخفف من الصراع حول الوراثة التى من الممكن أن تؤدى إلى فوضى فى السلطة.
ويرى المراقبون وفقا للدراسة أن سلمان الذى يبلغ من العمر 80 عاما والذى من المفترض أن يتولى إدارة شئون المملكة بشكل كامل يعانى من متاعب صحية، وأنه إذا ما عين سلمان ملكا فستكون كما يبدوفترة قصيرة للغاية بل هى أقصر من أى فترة تولاها ملك سعودى آخر، موضحين أن لضمان استقرار السلطة عين عبد الله فى مارس 2014 الأمير مقرن ذراعه اليمنى البالغ من العمر 70 عاما وهواصغر أبناء ابن سعود سنا بقى على قيد الحياة وليا للعهد، قائلين إن هذا التعيين الذى عكس الرغبة بالإستمرارية أجل أو إرجاء نقل الزعامة فى المملكة إلى جيل أحفاد الملك ابن سعود.
وأضافت أن قيام الملك عبدالله بن عبد العزيز بتسمية الأمير مقرن وليا لولى العهد فانه بذلك يكسب بعض الوقت فى مسألة الانتقال إلى الجيل الثاني»، وأن الاختبار الحقيقى سيكون مع نهاية فترة سلمان، إذ إن مقرن لا ينتمى إلى الأجنحة القوية فى الأسرة الحاكمة مثل الجناح المعروف ب»السديريين السبعة»، أى أبناء الملك عبد العزيز من حصة السديرى، الأمر الذى من الممكن أن يشهد مناورات مكثفة من قبل أمراء الجيل الثانى خاصة أن مقرن ولد لأم يمنية، ما سيشكل حالة غير مسبوقة عند وصوله إلى سدة الحكم، ناهيك أن صورته كتقدمى تدفع للاعتقاد بأنه سيتابع على الأرجح برنامج الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى بدأها الملك عبد الله بشكل حذر.
ومن خلال عمله فى المخابرات، نسج الأمير مقرن علاقات قوية فى الإقليم والعالم، ودخل على خط الملفات الأفغانية والباكستانية والسورية واليمنية واللبنانية بحسب مصادر دبلوماسية. واستبعد المراقبون أن يتولى الأمير مقرن سدة الحكم، قائلين: إنه على الرغم من كونه طيارًا مقاتلاً وشغل منصب رئيس الإستخبارات، لكن طريقه إلى العرش مرصوف بالمعوقات
وتوقعت الدراسة الإسرائيلية أن يقوم الملك سلمان بعد توليه سدة الحكم بتعيين ولى عهد آخر بدلا من مقرن، إذ إن الأسرة الحاكمة تسعى لمنع التأثير السلبى للصراع على الوراثة على الاستقرار الداخلى للمملكة، وأن القانون الأساسى للسلطة منذ عام 1992 حدد أن العرش ينتقل إلى جيل الأحفاد ومساعدة الملك القادم بانتخاب ولى عهد ووضع أسس انتقال سلس للسلطة.
فيما كان هناك مرشح آخر لدى المراقبون وتردد اسمه بين الحين والآخر ولديه فرص كبيرة فى الفوز بالعرش هو محمد بن نايف وزير الداخلية السعودى هذا على الرغم من أن إنجازاته فى مجال الحرب ضد الإرهاب تختلف الآراء بشأنها فلديه علاقات جيدة ويحظى بالتقدير الكبير من نظرائه فى الغرب.
وأوضحت الدراسة الإسرائيلية أن مشكلة الوراثة تبدو معقدة فى هذه المملكة التى تحتفظ بإحتياطات نفطية هى الأكبر فى العالم وفيها تقع الأماكن المقدسة لدى الإسلام، لقد تم وضع أسس وراثة السلطة فى السعودية وفقا لمبادئ وضعها ابن سعود بما يتواءم مع الاحتياجات الخاصة للمملكة والظروف والبنية السياسية التى تبلورت فيها ونظام نقل السلطة بين أبناء الأسرة وهو ما أسهم فى استقرارها على مدى سنوات لكن هذا النظام خلف مشكلة ناجمة عن كبر سن الورثة وهو حول توريث السلطة إلى صراع يشارك فيه الكثير من الأمراء.
كما يبدو أنه بالنسبة لمسائل تتعلق بالأمن القومى ليس هناك خلافات جوهرية بين الأمراء الكبار، لكن غياب الملك عبد الله ينهى فصلا رئيسيا فى تاريخ المملكة السعودية، عبد الله ملك منذ عام 2005 لكنه حاكم فعلى على مدى العشرين سنة الأخيرة منذ عهد أخيه فهد الملك عبد الله حقق إصلاحات ليست قليلة بالمفاهيم السعودية وعلى الأخص فى مجال وضع المرأة، يذكر أن مبادرة السلام العربية التى عرضت على إسرائيل ( فى مقابل تنازلات تطبيع مع العالم العربى والإسلامى هى مبادرة من قبل الملك عبد الله وليس من الواضح فيما إذا كانت المبادرة هى إملاء على إسرائيل أوأساس لمفاوضات فيما إذا كان العالم العربى فى وضعه الحالى يمكنه أن يقف خلف هذه المبادرة.بالإضافة إلى ذلك الملك عبد الله عرف كيف يقود المملكة فى بحر الثورات والاضطرابات التى تجتاح العالم العربى فى السنوات الأخيرة وتدريجيا ومنذ بداية هذه الموجة من الاضطرابات أقدم الملك عبد الله على سلسلة من التعيينات المهمة من الجائز أن تكون بدافع الخوف من تداعيات هذه الأحداث على استقرار المملكة فلقد عين ابنه متعب قائدا للحرس الوطنى ووزيرًا فى مجلس الوزراء.
وفى هذا السياق توخى الملك عبدالله من تعيين مقرن أن يعين فى المستقبل الأمير متعب وليا للعهد. بالإضافة إلى ذلك عين الملك عبد الله ابنه الثالث عبدالعزيز نائبا لوزير الخارجية سعود الفيصل. الفيصل يعمل فى هذا المنصب منذ 1975 ويعانى هو الآخر من تدهور فى صحته نظرا لعمره. ورجحت الدراسة أن يتولى الأمير عبدالعزيز ابن الملك عبدالله منصب الخارجية مستقبلا.
واختتمت الدراسة ان الملك عبد الله حرص قبل وفاته بفترة على تعيين ابنه مشعل أميرا لأهم إمارة لدى المسلمين فى المملكة وهى «مكة» وابنه السابع تركى أميرا للعاصمة «الرياض»، موضحة أن هذه التعيينات تضع تحت تصرف الأسرة الحاكمة مرشحين جديرين ولديهم الخبرة من جيل أحفاد ابن سعود يمكنهم أن يتولوا فى المستقبل مناصب رئيسية.