إسرائيل: حرب مصر ضد الإرهاب ليست من أجلها وحدها
أميرة يونس
ترجمة - أميرة يونس
أعد الكاتب الإسرائيلى «يورام شفيتسر» الباحث البارز فى مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى ورئيس برنامج الإرهاب والحرب المحدودة، دراسة نشرت على موقع المركز تحت عنوان «حرب مصر فى سيناء، ليس من أجلها وحدها»، قائلاً: إن مصر الآن فى خضم حرب تنتمى لفئة الحرب ذات «القوة المحدودة»، وتمثل هذه الحرب نموذجا رائجا للمعارك العسكرية فى بداية القرن الـ 21 «معارك شبه تقليدية»، تدور بين جيوش وأجهزة أمن الدول ضد جيوش غير نظامية وتنظيمات إرهابية مسلحة.
وأضافت الدراسة الإسرائيلية أن التنظيمات المتطرفة تسعى من خلال تكتيكات الإرهاب الاندماج مع المقاومة الشعبية وأن تنشط داخل السكان المدنيين، إذ إنها تجد فى هؤلاء السكان الغطاء والمساعدة- سواء بالإجبار أو التضامن، مؤكدة أن هؤلاء السكان هم من يعانون دائما النتائج المرة للحرب.
توضح الدراسة أن الحرب المصرية التى تدار ضد عناصر الجهاد السلفى وتحديدا فى شبه جزيرة سيناء، اخترقت أيضا شوارع المدن الرئيسية فى البلاد، وأن الحرب فى سيناء أصبحت جزءًا من حرب واسعة النطاق، دارت خلال السنوات الماضية فى مجال دول أخرى بالشرق الأوسط. وتصارع أنظمة هذه الدول لمنع انتشار الجهاد السلفى العدواني، الذى يسعى لفرض نظام إسلامي-شرعى بها، وفقا لنموذج نظام طالبان الذى حكم أفغانستان بين السنوات 1996-2001.
عصابات مسلحة
ولفتت الدراسة الانتباه إلى أن هجوم 29 يناير الذى تم تنفيذه بمنطقة العريش والشيخ زويد بشمال سيناء على يد عصابات مسلحة بلغ عددها نحو ستين مهاجما على أهداف تابعة للشرطة والجيش. وأسفر الهجوم عن مقتل 32 شخصًا، وتضمن إطلاق قذائف هاون، وثلاث عمليات انتحارية على الأقل، وبشكل مواز تم تنفيذ عمليات تخريبية أيضا فى بورسعيد والإسكندرية.
وتم تنفيذ الهجوم من قبل تنظيم أنصار بيت المقدس، الذى بايع زعيم «الدولة الإسلامية» (داعش) أبو بكر البغدادي، وأخضع نفسه لهذا التنظيم، وأطلق على نفسه اسم «ولاية سيناء».و بدأ التنظيم العمل فى سيناء أواخر 2011 فى أعقاب الثورة التى اندلعت فى مصر لإسقاط النظام الديكتاتورى للمخلوع «حسنى مبارك»
ويقول الكاتب الإسرائيليى أن أعضاء التنظيم، من سكان قطاع غزة ومخضرمى حركة حماس، وكذلك بدو محليين، تبنوا الفهم الجهادى السلفى وانضموا لنشطاء مخضرمين فى التنظيمات الإرهابية المصرية الداعمة للقاعدة أو التابعين بصفوفها، متجاهلين الدلائل التى تؤكد ضلوع إسرائيل فى العمليات الإرهابية التى تم تنفيذها فى سيناء لاستهداف عسكريين ومدنيين والإمكانيات الهائلة التى يتعامل بها الجهاديون فى مخططاتهم الهجومية والتى لا يمكن أن تدخل المنطقة دون علمها.
وتابع أن هؤلاء الناشطين فروا من السجن المصرى أو أطلق سراحهم منه بعد إسقاط نظام مبارك. كذلك انضم إلى هذا التنظيم مقاتلون أجانب، تسللوا لمصر من مناطق قتال مختلفة تعمل بها التنظيمات الجهادية- من بينها ليبيا واليمن ومالي- وبعضهم انضم لأنصار بيت المقدس بتعليمات من داعش.
الهجوم بشمال سيناء كان حلقة أخرى فى سلسلة الهجمات الإرهابية الفتاكة التى خلفت عددا كبيرا من الضحايا ونفذها تنظيم أنصار بيت المقدس خلال السنوات الأخيرة، هذا إلى جانب الهجمات، التى تنفذ يوميا ضد قوات الجيش والشرطة بسيناء، لافتا الانتباه إلى أنه من بين العمليات البارزة كان الهجوم الذى أدى لمقتل 16 جنديًا فى رفح خلال شهر رمضان فى أغسطس 2012 وقتل خلاله 21 جنديًا بالقرب من الحدود مع ليبيا فى يوليو 2014 وإعدام 25 جنديًا بدم بارد فى أغسطس 2013 والهجوم الأخير الذى أودى بحياة31 جنديًا فى العريش وشمال سيناء .
ويقول الباحث الإسرائيلى الذى شغل فى الماضى عدة مناصب ذات طابع أمني، من بينها توليه مستشارًا استراتيجيًا للحرب على الإرهاب بمكتب رئيس الحكومة ووزارة الدفاع أنه لاحظ فى الفترة الأخيرة أنه أصبح هناك حساسية كبيرة لاستهداف الجيش فى مصر، الذى يعد رمزًا للهيبة الوطنية، لذلك فإن سلسلة الهجمات ألزمت مصر بالخروج فى حرب شاملة ضد الجهاديين فى سيناء. مع ذلك يمكن القول إن أى دولة كانت لتتخذ ردًا قاسيا على عمليات منهجية وعلى مستو عال كالهجمات التى تنفذها عناصر الجهاد بسيناء.
تورط حماس
ويرى الكاتب أن هناك هدفًا آخر للعمليات المضادة التى تقوم بها قوات الجيش المصرى وهو «حركة حماس» التى تحكم قطاع غزة، إذ إن القاهرة تعتبر حماس عنصرًا أساسيًا متورط فى إنشاء تنظيم أنصار بيت المقدس، ومسئولاً عن المنطقة التى تشكل مقر القيادة الأمامية الحيوية لاستمرار عملياتها. لذلك أعلنت مصر الجناح العسكرى للحركة- كتائب عز الدين القسام- تنظيما إرهابيا كما ان علاقة حماس وغزة بالإرهاب فى سيناء هو السبب فى إقامة مصر قطاع أمنى عرضه نحو كيلومتر على حدودها مع القطاع. كذلك تعمل مصر على تدمير بنية الأنفاق الواسعة التى أقامتها حماس والتى تم من خلالها تهريب أسلحة وعناصر إرهابية من قطاع غزة لسيناء والعودة لأراضى القطاع، لإيجاد مأوى هناك.
فيما تعتبر مصر أن رعاية تنظيم «الدولة الإسلامية» لأنصار بيت المقدس يمثل مصدر قلق كبير، إذ إن تأييد «الدولة الإسلامية» لأنصار بيت المقدس عبر التمويل، وتوفير السلاح والعناصر البشرية، يمنح المعركة التى تديرها مصر بسيناء أهمية كبيرة، تتعدى الحفاظ على استقرار النظام وحماية الأمن القومى المصري. فنجاح نظام «السيسى» فى القيام برد فعال على الهجوم الإرهابى لأنصار بيت المقدس وشركائه سوف يؤثر وينعكس أيضا على قدرات دول أخرى فى المنطقة- ليبيا واليمن والأردن- على مواجهة عناصر الجهاد السلفى، هذا النجاح أيضا سوف يحد من الانطباع الخطير، غير القابل للتوقف، الذى يوجده زخم احتلال «الدولة الإسلامية» للعراق وسوريا.
ليبيا والأمن القومى
ويكشف الباحث الذى شغل منصب رئيس قسم مكافحة الإرهاب الدولى بالجيش الإسرائيلى أن العلاقة بين عناصر الجهاد، الذين وضعوا مصر هدفا لهم، وبين «الدولة الإسلامية» ليست محصورة فى مجال سيناء فقط، وإنما مؤيدو «الدولة الإسلامية» الذين سيطروا على مدينة درنة ومدن أخرى فى ليبيا، تورطوا أيضا فى عمليات تخريبية إرهابية، جرى تنفيذها فى مصر على منطقة الحدود مع ليبيا. هذا بالإضافة إلى أن متحدثى «الدولة الإسلامية» يحثون تنظيم أنصار بيت المقدس حثًا على إسقاط نظام السيسي. هذه أدلة تؤكد نواياهم لتحويل الحدود الليبية- المصرية إلى ساحة قتال نشطة وتحويل ليبيا إلى منطقة أمامية للبنى التحتية واللوجيستية لنشاطاتهم.
وعلى الرغم من ذلك فان هناك مصدرًا آخر للقلق المصري، يتمثل فى سخونة ساحة الأردن، إذ إن عمان تشهد تزايدًا فى عدم الهدوء الداخلى على خلفية إعدام الطيار الأردنى الذى سقط فى الأسر بعد إسقاط طائرته بسوريا» حرقا». كما أن هناك غليانًا تحديدًا من قبل عناصر إسلامية من بينهم مؤيدي» الدولة الإسلامية»، المحتجون على مشاركة الأردن فى الائتلاف الدولي، الذى تقوده الولايات المتحدة ضد» الدولة الإسلامية».
ولفتت الدراسة إلى إعدام الصحفى الياباني، الذى وقع فى أسر التنظيم، إضافة لرفض آسرى الطيار الأردنى إظهار أى إشارة تؤكد أنه على قيد الحياة، لا يبشر بخير. مع ذلك يمكن التكهن أن تصعيد الاحتجاج بين الدوائر الإسلامية بالأردن لن يغير منهج المملكة حيال ضرورة الصراع الصارم ضد «الدولة الإسلامية» وأنها لن تتراجع عن التعاون فى الائتلاف الذى يقود الحرب ضد التنظيم.
المصالح الإسرائيلية
وأكد الباحث الإسرائيلى أن الحرب التى تشنها مصر فى سيناء لا تهم المصريين فقط بل لها الكثير من الدلالات بالنسبة لإسرائيل، فتنظيم أنصار بيت المقدس نفذ فى الماضى هجمات ضد إسرائيل: بما فيها- هجوم الطريق 12 المؤدى لإيلات، إطلاق صواريخ تجاه إيلات قبل وأثناء عملية «الجرف الصامد»، وإرسال انتحارى إلى معبر كرم أبو سالم، تم تصفيته على يد المصريين قبل تنفيذ مخططه. هذه الأحداث إلى جانب علاقاته الوطيدة ( أنصار بيت المقدس) بالتنظيمات العاملة بقطاع غزة- وفى مقدمتها حماس، و»مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس» و«جيش الإسلام» و»لجان المقاومة» وغيرها- تعزز المصالح المشتركة بين إسرائيل ومصر فى هذا الصدد. هذا الشأن المشترك بين الدولتين يحظى بمفعول كبير على خلفية التصريحات الواضحة لأنصار بيت المقدس الذى أكد فيها استمرار العمل ضد إسرائيل بشكل مباشر.
واختتمت الدراسة بقوله أن التصعيد فى صراع أنصار بيت المقدس ضد إسرائيل يمكن أن يشكل تحديا معقدا لجنود الجيش الإسرائيلى ومواطنى إسرائيل. فلدى التنظيم قدرة عسكرية عالية، تتمثل فى تنفيذ هجماته بمشاركة عدة مجاميع، تتراوح أعدادهم أحيانًا بين عشر وبضع عشرات من المهاجمين المسلحين جيدًا والمزودين بصواريخ وقذائف هاون وقذائف صاروخية، كذلك استخدم التنظيم تكتيك الانتحاريين.
وأضافت أن التقدير السائد يؤكد عودة أنصار بيت المقدس للعمل مجددا ضد إسرائيل، يستند إلى تجربة الماضى القريب، حيث النشاطات الحالية للتنظيم بشبه جزيرة سيناء وعلاقاته الوطيدة مع التنظيمات الإرهابية الناشطة بقطاع غزة. كذلك يمكن أن يفعل ذلك بتوجيه من «الدولة الإسلامية» الذى يعتبر إسرائيل مشاركة وداعمة للتحالف الدولي، الذى يصارعه بسوريا والعراق، وهذا ما أوضحه البغدادى فى خطابه الذى ألقاه فى يناير 2015.
لذلك فإن المساعدات الاستخبارية، والعملياتية والسياسية، التى يمكن أن تقدمها إسرائيل لنظام السيسي، بما فيها تحسين علاقاته بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الاستعداد للاستجابة لمطالب مصر بتوسيع تواجدها العسكرى بسيناء، سوف تخدم المصالح الأمنية لإسرائيل، ومنظومة العلاقات العامة بين إسرائيل ومصر، والمعركة الدولية اللازمة لوقف انتشار تنظيم» الدولة الإسلامية» وشركائه.