الجمعة 1 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إخفاقاتنا.. ونظرية المؤامرة

إخفاقاتنا.. ونظرية المؤامرة
إخفاقاتنا.. ونظرية المؤامرة




كتب: د. ناجح إبراهيم

كلما تأملت فى أحوال مصر والعرب وجدت أن العقل العربى والمصرى قد تم تدميره والإجهاز عليه بنظرية المؤامرة التى أتت على البقية الباقية منه.. وأن السنوات التى أعقبت ثورات الربيع العربى قد زادت نظرية المؤامرة رسوخا وزادت العقل العربى فشلا.. وجعلته لا يفكر ولا يحلل الأحداث إلا بطريقة المؤامرة.. وكأن كل شىء لدينا هو صواب وحق وعدل وانضباط وشفافية واستقامة ودقة وأنه لولا المؤامرات التى تحاك ضدنا لكنا الآن أفضل الجماعات والأحزاب والدول والأمم والشعوب والحكومات.
فالمشكلة ليست فينا لكنها فى المؤامرة.. وكل شيء لدينا على ما يرام.. فكل هزيمة أو فشل أو كارثة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو تكنولوجية ألمت وأصابت دولنا وأمتنا وجماعتنا وأحزابنا فليست من صنع أيدينا لكنها بفعل المؤامرة المشئومة.
فهزيمة 5 يونية سنة 1967هى مؤامرة حيكت لناصر وأمتنا.. ولم يكن لدينا وقتها قصور أو تقصير فى أى شىء.. وقتل د.الذهبى مؤامرة حيكت للإسلاميين للتخلص من الذهبى والمغربى والإسلاميين.. وكأن الدولة كانت تحتاج لقتل د.الذهبى الوزير الطيب المتقاعد لتنال من الإسلاميين الذين لم يضاروا وقتها بشىء باستثناء جماعة  شكرى التكفيرية التى قتلت الذهبى.. ومقتل السادات لم يكن بيد الإسلاميين لكنه مؤامرة دبرت للتخلص من الاثنين مع العلم بأن أصغر مختص فى الحركة الإسلامية يعرف قصة قتل الجماعة الإسلامية والجهاد للسادات وأنها «لم تكن مؤامرة ولا يحزنون».
وحصولنا على صفر فى المونديال كان مؤامرة ولم يكن بسبب فشل مصر الرياضى والإدارى وغياب البنية الأساسية الرياضية والعامة لكنه مؤامرة عالمية على مصر «المؤهلة المائة مونديال فى عين العدو».
وتفجيرات 11 سبتمبر مؤامرة نفذها الموساد الإسرائيلى لضرب الحركة الإسلامية واحتلال العراق وأفغانستان مع أن كل المختصين بالحركة الإسلامية يعرفون أن القاعدة هى التى قامت بالتفجير وتفخر به وتثنى عليه حتى الآن وأصحاب الفكرة ومنفذوها معروفون بالاسم حتى اليوم.
وثورة 25 يناير مؤامرة دبرتها الدول الكبرى لهز استقرار مصر وكأنه لم يكن بمصر فساد وظلم وتوريث يزكم الأنوف.
وكل تفجيرات سيناء وغيرها هى مؤامرة دبرتها الأجهزة الأمنية للإيقاع بالإسلاميين.. وكأنه ليس هناك شيء اسمه أنصار بيت المقدس وكأنها من نسج الخيال.. ناسين تفجيراتها فى عهد مبارك ومذبحة رفح الأولى فى عهد مرسى.. وناسين تاريخها التكفيرى والتفجيرى من البداية حتى النهاية.
أما حرق الترام وتفجير وحرق عربات النقل العام وأكشاك الكهرباء فيقولون  أنها بفعل الأمن لتبرير ضرب الإخوان مع أننا جميعا نعرف أشخاصا بعينهم يعتنقون مثل هذا الفكر وقاموا بمثل هذه الأعمال.
وأخيرا وليس آخرا فى المسلسل الهزلى لنظرية المؤامرة هو التفسير التآمرى للشباب الذين قتلوا فى استاد الدفاع الجوى فى مأساة يندى لها الجبين.. إذ أرجع المطبلاتية أنها مؤامرة إخوانية لإفساد زيارة بوتين وإفشال المؤتمر الاقتصادى.. مع أن كل الذين شهدوا الواقعة قالوا إن هذا الشباب له انتماء رياضى فقط وليس له أى انتماء سياسى أو حزبى.. وأن الفشل الإدارى والأمنى فى التعامل مع الجمهور هو سبب الكارثة.
والغريب فى الأمر أن نظرية المؤامرة هذه يعتنقها بعض الذين ينافقون السلطة  عادة ويطبلون لها بغير حق.. وفى الوقت نفسه يعتنقها معظم أبناء التيار الإسلامى.. وخاصة جماعة الإخوان التى زرعتها زرعا فى نفوس هذا التيار  وكانت توصى الشباب بقراءة كتاب «أحجار على رقعة الشطرنج» وهو كتاب مدمر للفكر والعقل.   
إن المؤامرة موجودة وخاصة فى مجالات السياسة والعلاقات الدولية.. ولكنها لا تحرك الكون ولا تصنع الأحداث ولا تجلب النصر لفريق ولا تهزم آخر.. فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو كان كافرا.. ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنا صالحا.. فلله فى خلقه وكونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل مؤمنا لإيمانه ولا تتأخر عن العمل بالنسبة لغير المسلمين.. فالله يقيم الجماعة أو الدولة العادلة وإن كانت كافرة.. ولا يقيم الدولة الظالمة حتى وإن كانت مسلمة.
إن نظرية المؤامرة تريح أصحابها حيث لا خطأ ولا قصور وكله عندنا «تمام فى تمام « ونحن دوما 100%.. لكن المشكلة ليست عندنا لكن فى المؤامرة التى تحاك ضدنا.
وهكذا ظلت دولنا وأمتنا وجماعاتنا وأحزابنا تعيش فى جو المؤامرة وتقنع نفسها بأن الفشل وسوء الإدارة والفساد والظلم الذى نعيش فيه ليس من صنع أيدينا.. وظلت الحركة الإسلامية المصرية كذلك تبرر كل هزائمها ونكساتها وإخفاقاتها بهذه النظرية البائسة.. فقادتها لم يخطأوا أبدا حتى لو كان مجرد خطأ إدارى أو سياسى ولكنها المؤامرة عليهم وعلى الإسلام.
إنهم لم يتأملوا تعامل القرآن مع هزيمة المسلمين فى أحد.. حيث لم يخدع القرآن الصحابة الذين يحبهم أو ينسب الهزيمة لالتفاف خيل خالد بن الوليد  على المسلمين لكنه نسبها لتقصير الصحابة أنفسهم فى قرآن يتلى على كل الأجيال «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ».
فمتى نتعلم من القرآن العظيم.. أم سنظل دولا وجماعات نبرر مصائبنا وهزائمنا وإخفاقاتنا بنظرية المؤامرة ونعلقها دوما على شماعتها البائسة التى ضاقت بنا ذرعا.