الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مصر» و«السعودية» يكتبان تاريخا جديدًا لـ«المنطقة»

«مصر» و«السعودية» يكتبان تاريخا جديدًا لـ«المنطقة»
«مصر» و«السعودية» يكتبان تاريخا جديدًا لـ«المنطقة»




ترجمة - وسام النحراوى

تناولت مجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية فى تقرير مفصل لها الائتلاف العربى الجديد المتمثل فيما يسمى بـ«عاصفة الحزم» والتى تقوده السعودية ومصر ضد «الحوثيين» فى اليمن، ووصفته بأنه «صحوة» أو «صفحة جديدة»، تستعيد من خلاله  الدول العربية «السنية» التوازن الاستراتيجى مع إيران «الشيعية»، مشيرة إلى انتشار الإحساس بالارتياح والنشوة الغامرة فى كثير من دول المنطقة لأنه أصبحت هناك ديناميكية وروح جديدة وإرادة للقضاء على ما يعتبر «انقلابًا إيرانيًا».


وذكرت المجلة على لسان أمل مدللى، باحثة فى مركز «وودرو ويلسون» الدولى وكاتبة المقال، أن هناك إحساسا باستعادة الكرامة العربية، وثقة فى أن العالم العربى يمكنه أن يتخذ موقفا، مضيفة أن هذا الرد العربى الجديد يمثل أيضا تحذيرا إلى إيران بأنها تعدت «الخطوط الحمراء» وتجاوزت الحد فى تدخلها فى الشئون الخاصة للدول العربية، مؤكدة أن الشرق الأوسط بعد عملية عاصفة الحزم لن يكون هو الشرق الأوسط الذى كان قبلها.
واعتبرت المجلة أن «نبض المنطقة» تغير بداية من الخليج مرورا بمصر ولبنان والأردن ودول المغرب العربى، فهناك شعور بالارتياح والفخر بأن العرب متواجدون من جديد وقادرون على الامساك بزمام مصائرهم، مضيفة أن ذلك يعتبر «تغير استراتيجيًا» فى التفكير العربى.
فى السياق نفسه، وصفت «ناشونال إنترست» عملية «عاصفة الحزم» بأنها أضافت مفهومًا جديدًا تماما فى العالم العربى أطلق عليه اسم «مبدأ سلمان» نسبة إلى العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، مستشهدة بما حدث عندما أقدم الرئيس العراقى السابق صدام حسين على غزو الكويت، إذ قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون باتخاذ زمام المبادرة وشكلوا ائتلافا لطرد صدام من الكويت، وكان ذلك الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة، أما العرب فكانوا مجرد ضيوف شرف فيه.
لكن الأمور تغيرت تماما هذه المرة، فعندما ضرب الحوثيون وحليفهم الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح مؤخرا عرض الحائط بنصيحة السعودية بالابتعاد عن مدينة «عدن» التى تحتوى على الميناء الرئيسى، لم ينتظر السعوديون إذنا من واشنطن ولا من أى أحد لأخذ زمام المبادرة، حيث جمعوا ائتلافا قويا جدا ضم 10 بلدان، واكتفوا فقط بإخبار واشنطن وحلفائهم الغربيين، وبدأوا التنفيذ بالفعل.
وقد اعتبر هذا التحرك الجرىء سابقة فى العالم العربي، حيث فسر على أنه تحول عن موقفهم السابق وهو «الموقف الانتظارى» لتحرك أمريكى لن يأتى أبدا، مثلما حدث فى سوريا.
وأفردت المجلة دروسا تعلمتها المنطقة مما حدث  الدرس الأول من هذه العملية، هو أن الدول الإقليمية القوية كالسعودية ومصر تستطيع أن تقود، وأن تغير التاريخ، فالمنطقة لم تعد فى انتظار واشنطن، ولا يمكنها أن تعتمد عليها كى تهب لنجدتها.
الدرس الثانى، هو أن واشنطن ستتعاون لو أخذت زمام المبادرة وأظهرت حزما وقيادة، وأنها لن ترفض أية مبادرة عربية تتمتع بدعم واسع، فقد لاقى إحجام إدارة أوباما عن التدخل فى المنطقة، ولاسيما رفضها فعل أكثر مما فعلت فى سوريا، نقدا واسعا، لكن العمل العربى الأخير ربما لم يكن ليرى النور لولا هذا الإحجام الأمريكى، وربما يكون الرئيس أوباما ساعد، بغير قصد، المنطقة أكثر من أى إدارة أمريكية بإجبارها على الاعتماد على قيادتها ومواردها،  فقد اكتشف قادة دول المنطقة وشعوبها أنهم يستطيعون القيام بالمهمة، ويمكنهم العمل بمفردهم بمباركة ودعم أمريكيين لكن من دون مشاركة أمريكية.
وأردفت المجلة حقيقة أن الأمم العربية وافقت على إنشاء مثل هذه القوة بعد سنوات من النقاش هو دلالة على الحاجة الملحة إليها، مشيرة إلى أن إيران والغرب اعتادا على التردد العربى ورفض تولى المسئولية، لكن العرب أثبتوا أن هناك ثقل للقرار العربى ، مؤكده أن نجاة اليمن تمثل نجاة العرب.
على صعيد متصل،  كشفت «ناشيونال انترست» عن حقيقة مشاعر الإحباط والاستياء بين العرب من اتساع دور إيران ونفوذها فى المنطقة، فى إشارة إلى التصريحات العديدة التى جاءت على ألسنة مسئولين إيرانيين تعلن عن سيطرتهم على أربع عواصم عربية، مما أثار المقت والسخط والغضب.
لذلك، يرى العرب فى «عاصفة الحزم» باليمن استعادة لكرامتهم وثقتهم بأنفسهم، فهى تمثل «رسالة مدوية ومباشرة» من السعودية إلى إيران مفادها أن الرياض لن تسمح بسقوط أى بلدان عربية أخرى فريسة للنفوذ الإيرانى، مما يعتبر درسا لإيران بشأن الثمن الباهظ الذى يجب أن تدفعه نظير توسعها خارج حدودها باستخدام أدوات طائفية.
وأضافت المجلة الأمريكية أن ما حدث جعل إيران تبدو أشد عزلة من أى وقت مضى، فيما برزت السعودية كقائد لائتلاف كبير.
وأوضحت «ناشيونال انترست» أن الائتلاف الجديد يكشف عن خارطة جديدة لعلاقات إقليمية متصالحة بين بلدان كانت تشهد من قبل تنافسا وتنازعا، ويدل لم شمل الدول العربية مجتمعة على مستوى التهديد المتصور فى ساحتهم الخلفية وهى اليمن.
فمصر وقطر تعملان الآن سويا، وتركيا والمملكة العربية السعودية متوافقان، كما قطعت السودان علاقاتها بإيران وهى الآن تساند وتدعم العملية، وهذا كله يثبت أن هناك تحالفات استراتيجية جديدة بدأت تبرز فى منطقة شديدة التقلب.
وتقول الكاتبة إن ما يجمع شتات كل هذه البلدان هو تهديد وجودى متصور بفرض هيكل استراتيجى جديد للشرق الأوسط يجرى رسمه دون علمهم ولا رضاهم، فكلهم ينظرون إلى المحادثات النووية الأمريكية ويخشون احتمال أن تجد أمريكا حليفا استراتيجيًا جديدًا فى المنطقة، تاركة إياهم وحدهم منبوذين، وكلهم قلق من مؤامرة أمريكية إيرانية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء ظهورهم.
وتؤكد الكاتبة أن عملية «عاصفة الحزم» هى محاولة من جانب العرب لانتزاع زمام المبادرة والاضطلاع بدورهم المحورى فى هذه العملية، كما أنها تهدف إلى تنبيه إيران إلى أنها تجاوزت الحدود وتعدت الخطوط الحمراء، ليس فيما يخص حصن الأمن القومى العربى الحصين فحسب، بل أيضا الهوية العربية والعقد الاجتماعى والطائفى الذى يجمع بين الشعب العربى.
على صعيد متصل، طالبت السعودية كلا من باكستان وتركيا بتقديم مساعدة عسكرية فى عملية «عاصفة الحزم»، وهو الطلب الذى يضع رئيس الوزراء الباكستانى نواز شريف فى مواجهة مع الرأى العام فى الداخل الذى سئم الحرب.
والسعودية حليف مهم لباكستان التى تحتاج لضخ منتظم للنقد الأجنبى لتفادى حدوث انهيار اقتصادى. وتقدم السعودية دعما بالمليارات لباكستان. واستضافت السعودية شريف بعد الإطاحة به فى انقلاب عسكرى عام 1999. لكن الانضمام إلى التحالف الذى تقوده السعودية قد يؤجج صراعا طائفيا فى الداخل حيث يمثل الشيعة نحو خمس سكان باكستان كما أن الهجمات على الشيعة تتزايد مما يزيد من زعزعة استقرار البلاد المسلحة نوويا والتى يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة.
تدخل باكستان فى حرب اليمن بهذا الشكل قد يثير غضب إيران التى تتقاسم معها حدودا طويلة مضطربة فى منطقة تشهد تمردا انفصاليا. وتشترك باكستان فى حدودها الرئيسية الأخرى مع عدوها اللدود الهند ومع أفغانستان حيث تشن القوات الباكستانية بالفعل عمليات ضد حركة طالبان.
وعن احتمال مشاركة قوات باكستانية فى العملية، يرى المحلل الأمنى الباكستانى فداء حسين أن إسلام اباد فى وضع حرج نظرا لعلاقتها القوية مع السعودية وكذلك الجارة إيران المتهمة بدعم الحوثيين الشيعة.
وأشار حسين إلى أن باكستان بحاجة إلى الأخذ فى الاعتبار مواطنيها الشيعة الذين يمثلون أكثر من 20% من إجمالى عدد السكان. ويتواجد حاليا نحو 300 جندى باكستانى فى السعودية للمشاركة فى تدريبات مشتركة مع قوات سعودية.
على الجانب الآخر، تلقى تطورات الأزمة اليمنية بتداعياتها أيضا على العلاقات التركية الإيرانية، ويبدو أن الزيارة المقبلة  التى يقوم بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى طهران ستكون مناسبة لمناقشة القضايا الحساسة على المستويين الثنائى والإقليمى، وسط أجواء متوترة جراء العملية العسكرية التى تقودها السعودية ضد الحوثيين فى اليمن، وتلقى دعما كبيرا من الرئيس أردوغان.
وأدرجت زيارة أردوغان لإيران على جدول المواعيد الرسمية منذ فترة غير أن عددا من المشرعين الإيرانيين دعوا إلى إلغائها الأسبوع الماضى بعد إعلان أردوغان دعمه العملية العسكرية التى تقودها السعودية ضد الحوثيين - الذين تدعمهم إيران- منتقدا طهران على محاولتها «الهيمنة على المنطقة».
وتربط الدولتان علاقة اقتصادية قوية بعد أن باتت إيران- التى تعانى من العقوبات المفروضة عليها على خلفية ملفها النووى- ثانى أكبر مصدر للغاز إلى تركيا وهى تزودها بعشرة مليارات متر مكعب سنويا. غير أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تضررت فى السنوات الأخيرة مع خلافات حادة بشأن كيفية حل الصراع السورى.
ويقول المحللون إن البلدين الشيعى (إيران) والسنى (تركيا) المتنافسين إقليميا، دأبا منذ سنين على الحفاظ على وتيرة صراع تقليدى على النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط والأدنى، دون وضع العلاقات فى حالة انهيار.