الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإرهاب والإعلام

الإرهاب والإعلام






مشكلة كبرى أن تجد فى وقت الأزمة أن لديك إعلاما يورِّط الدولة فى الأزمات أكثر فأكثر، بدلا من أن يرفع عن كاهلها تلك الأحمال، والمشكلة الأفدح أن الإعلام الذى يورط الدولة المصرية فى الأزمات هو نفسه الإعلام الذى لا يكف عن الضجيج والصخب ليل نهار باسم الوطنية والفداء من أجل هذا البلد، ثم يتحول فجأة إلى أحد أذرع الهدم التى تنهال عليه ضربا فى الوقت الذى يحتاج من الجميع أن يمد له يديه.
وحتى أكون واضحًا، كلامى هنا ينصب على المواقع الإخبارية والقنوات التليفزيونية الخاصة، التى تروج لنفسها طيلة الوقت بأنها أكثر وطنية من الوطن ذاته، وبعدها، نجدها تنخرط فى نوبات من ترويج الشائعات التى تؤثر على الرأى العام سلبًا، دون أدنى احترام لواجبات المهنة من تحرى الدقة والمصداقية فى نقل الأخبار وقت الأزمة، بل تتحول الدنيا فى لمح البصر إلى مولد وأصحابه حاضرون يجمعون غلة المشاهدات المرتفعة وإن كان ذلك على حساب الوطن.
فالإعلام الخاص بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو أصبح له تأثير كبير فى الشارع المصرى، ورغم دوره الفاعل فى بعض الأوقات، مثل انتخابات الرئاسة التى أتت بالمشير عبدالفتاح السيسى رئيسًا للبلاد، إلا أنه فى الفترة الأخيرة تحول ــ وأقصد الإعلام ــ إلى سيف مسلط على رقاب استقرار المجتمع المصرى، من خلال ما ينشره ويذيعه ليل نهار من أخبار وتقارير مثيرة للجدل، حول الأوضاع فى مصر، غير مفهوم مغزاها أو جدواها، ولا تراعى معايير المهنية إطلاقًا.
لقد ظهر ذلك جليا فى الأحداث الأخيرة التى وقعت فى شمال سيناء، بعد أن قامت هذه القنوات والمواقع الخاصة بنشر أخبار لا تمت للحقيقة بصلة، بل هى شائعات تهدف التأثير على الدولة فى إطار الحرب النفسية الدائرة ضد أمن البلد، واعتمدت تلك القنوات والمواقع الإخبارية على معلومات تنشرها مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بالإخوان والجماعات الإرهابية، وقامت بإعادة بثها على أنها حقيقة، ما أصاب الشعب المصرى بحالة من الاكتئاب طوال يوم الأربعاء الماضى، رغم أن الأحداث على أرض الواقع عكس ما كانوا يرددونه فى هذا الوقت الحساس.
والحقيقة التى تخطاها الإعلام الخاص، عن جهل أو عن عمد، أن الجيش المصرى استطاع ـ ورجاله البواسل ـ التصدى للجماعات الإرهابية، وقاموا بدكّ حصونهم، وقضوا على أكثر من 100 إرهابى فى ساعات قليلة، بالإضافة إلى قيام القوات المسلحة بتدمير مركبات وآلات حربية كان الإرهابيون يستخدمونها فى مهاجمة قواتنا.
ففى الوقت الذى صور الإعلام الخاص أن سيناء تنهار  كان الجيش يسيطر على الموقف بشكل كامل.
وقد تستغربون عندما تعلمون أن إحدى القنوات الإخبارية، المحسوبة على دولة خليجية صديقة، كانت أول مَن نشر أخبارًا عن عدد شهداء القوات المسلحة فى سيناء، وأكدت من خلال مراسلها، أن ضحايا الهجوم الإرهابى وصلوا إلى 64 شهيدا، (وهو رقم منافٍ للواقع وأكد زيفه بيان الجيش) وقد تراجعت القناة عن هذه الشائعة بعد أن علمت الحقيقة فى نهاية اليوم، وتأكدت أن مراسلها كان يقوم بنقل الأخبار والمعلومات عن مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بالجماعات التكفيرية. وقد تصل دهشتكم إلى ذروتها إذا علمتم أن مراسل تلك القناة لم يكن يقيم فى شمال سيناء، بل، كان جالسا فى محافظة الفيوم، وكان ينقل الأخبار من هناك، والقناة التى يعمل بها لا تعرف ذلك طبعا، رغم أن هذا المراسل يتقاضى أموالاً ضخمة ــ بالدولار ــ من تلك القناة، مقابل عمله مراسلاً لها فى شمال سيناء!
هذه الواقعة تثبت أن الإعلام عموما، والخاص خصوصا، أصبح فى حالة فوضى يرثى لها، ما يستوجب وقفة حقيقية من الإعلاميين والصحفيين من أجل التصدى للإعلام الموتور الذى يرتقى إلى مرتبة «الإعلام التحريضى» عن جهل أو عن عمد، والذى يقوم بدور يخدم الجماعات الإرهابية، بوعى أو بلا وعى، متخطيا أبسط معايير المهنية، وهى تحرى الدقة فى نقل الخبر أولا، قبل اللهفة على السبق الصحفى.
 إن أحداث شمال سيناء الأخيرة كشفت الإعلام الخاص على حقيقته، فهو يريد خدمة نفسه أولاً، ويضع مصلحة الوطن فى المرتبة الثانية، وهذا ما يستوجب مراجعة حقيقية من أهل البيت أنفسهم.