عصام عبد الجواد
أهالى الصعيد ووزير الكهرباء
إذا أردت أن تعرف مدى فاعلية الحكومة فى أى دولة فى العالم، وحجم التزامها بتعهداتها فى توفير حياة كريمة آدمية لمواطنيها، عليك أن تذهب إلى أطراف هذا البلد أو ذاك، أن تبتعد عن المركز الذى توجد به مقرات إدارة الدولة، وأن تنظر إلى المحافظات الباقية قبل أن تشرع فى التقييم، لتكون عادلًا.
فكل الحكومات تهتم بالمدن، لانها الواجهة الدولية للبلد، وكذلك الإعلام يهتم بالعواصم وما يجرى فيها لقربها من مقراتها، أما باقى المحافظات فتعانى أمورًا كثيرة، ومتاعب متعددة لا يعرف عنها الناس شيئًا ولا توضع فى الحسبان، فى حين من الممكن أن تكون هناك إنجازات وإخفاقات تتحقق على الأرض تضاف لصالح الحكومة، أو تؤخذ عليها، لكن لا يشعر بها مَن هم فى المدن لبعدهم جغرافيا عن تلك المناطق ولغياب الإعلام عن أداء دوره فى تغطية أرجاء الوطن كافة.
فحكومة المهندس إبراهيم محلب مازال أداؤها متباينًا، لا تستطيع أن تجزم إن كانت فعالة ونشيطة، أم أنها حكومة لا تؤدى عملها مائة بالمائة، تلك رؤيتى كأحد سكان المدن. لكن الرؤية اتضحت أكثر بالنسبة لى عندما ابتعدت عن العاصمة فى إجازة قصيرة، اتجهت خلالها إلى مسقط رأسى فى الصعيد، هناك شعرت أكثر من خلال ردود أفعال المواطنين بمدى نجاح بعض الوزراء فى ملفاتهم وإخفاق آخرين.
فكل مَن قابلنى تكلم معى عن وزيرين فى الحكومة رأوا أنهما يعملان بجد وجهد، ويؤديان واجبهما تجاه المواطنين فى الصعيد على أكمل وجه، وهما وزير الكهرباء، ووزير التموين.
ولكى أكون منصفًا، لقد حاز وزير الكهرباء نصيب الأسد من دعاء المواطنين له، وشكرهم على مجهوداته، لأنه ــ بحسبهم ــ استطاع أن يحل مشكلة انقطاع الكهرباء هذا الصيف بشكل كامل، خصوصًا فى شهر رمضان.
لقد شرح لى الاهالى هناك كيف أن الأسر الفقيرة استعدت لاستقبال الصيف بلمبات الجاز، والبعض منهم استعد لقضاء فترات طويلة فى ليل مظلم، إلا أنهم فوجئوا بعكس ما توقعوا، فالكهرباء عندهم لم تنقطع طوال الليل والنهار، واختفت جملة «تخفيض الأحمال» التى كانت تؤرقهم وتعكر مزاجهم، وتجعلهم عرضة لجشع التجار. فمحال بيع «المولدات الكهربائية» كانت تتجهز لتحقيق أرباح طائلة هذا الصيف، اعتقادًا منها أن سوقها ستنتعش مع قدوم موسم مظلم أسود، إلا أن صدمتهم كانت كبيرة من انتظام الكهرباء، هذا كان انطباع أهالى الصعيد عن وزير الكهرباء، لكن ليس كل الوزراء لديهم ذلك الرضاء الشعبى، فهناك وزيران قال الاهالى إنهما لا يقدمان أى شىء للمواطن الغلبان، وهما وزيرا «الرى» و«البترول».
شكاوى كثيرة سمعتها من الفلاحين لعدم انتظام مياه الرى فى أراضيهم، وتقاعس الوزارة عن تطهير الترع والمصارف، وفسروا ذلك الإهمال بأن سببه انشغال الوزير عنهم بـ «سد النهضة»، لقد أكد الجميع أهمية اهتمام الدولة بهذا الملف الحيوى لكنهم رفضوا فى ذات الوقت أن يكون هذا الاهتمام مبعثًا لإهمال شئون حياتهم الأساسية والإضرار بالأراضى الزراعية وقوتهم.
أما وزير البترول فأغلب المواطنين لا يشعرون بوجوده فى الصعيد، بل كادوا يظنون أن مقعده فى الحكومة شاغر ولا يدير هذا الملف الحيوى أحد، فطوابير الانتظار أمام محطات الوقود امتدت لأكثر من ثلاثة كيلو مترات، من أجل الحصول على «الكيروسين» و«بنزين 80»، الأمر الذى جعل أهالى الصعيد يؤكدون أن الدولة تحتاج إلى وزراء آخرين بديلا عن المخفقين أصحاب الأيادى المرتعشة.
ما استخلصته من هذه الرحلة أن المواطن البسيط لا يريد من الحكومة الكثير، فقط، يرغب منها أن توفر له احتياجات يومه الأساسية، دون زيادة أو نقصان، دون تقاعس أو خذلان.
إن القياس الحقيقى لأداء الحكومة يأتى من القرى والنجوع، من معاناة أهالى تلك المناطق الجغرافية على أرض الوطن، ولا يأتى من القنوات الفضائية وبرامج التوك شو، التى لا تتورع ولا تخجل من تضليل الجميع حكومة وشعبًا.
«شكرا» للمهندس محمد شاكر وزير الكهرباء، شكر أحمله لك أمانة من أهالى الصعيد، ونتمنى أن نرى فى كل وزارة من هو على قدر شعورك بالمسئولية.