
عصام عبد الجواد
شائعات الفساد تحرق الشرفاء أيضًا
هكذا فجأة، ودون مقدمات، تحول كل المسئولين فى الدولة إلى فسدة ومرتشين ولصوص، واشتغلت الآلة الإعلامية على شيطنة الحكومة، فطاحت فى الجميع، وأصبحت تختم على جباه المسئولين بعلامة «إكس» حمراء، فى دلالة على أنهم متورطون فى قضايا فساد او متربحون أشداء، أو محترفو رشوة.
هكذا اشتعلت الدكاكين الإعلامية، ناهشة فى لحم المسئولين، عن جهل أو تجاهل، متناسين أن هؤلاء المسئولين هم مَن تحملوا إدارة هذا البلد فى ظروف قاسية وعصيبة، الجميع يعلمها ويدرك أبعادها، بل وانخرطوا فى موجة تشويه لكل وزراء الحكومة، زارعين الشك فى قلوب الناس تجاه نزاهة هؤلاء الوزراء.
توابع هذه الحالة المسعورة التى تستهدف هدم الصورة الذهنية للحكومة فى عقول الناس، ظهرت جلية فى حديث أحد المسئولين الذين قابلتهم بالصدفة الأسبوع الماضى، حيث اعترف لى هذا المسئول المحترم ــ الذى اتحفظ على ذكر اسمه ــ إنه يدعو الله أن يخرج من منصبه على خير، وألا تصيبه شظية من قنبلة الشائعات التى انفجرت فى وجه الحكومة!
الجميع يعلم طهارة يد هذا المسئول، وهذا ما دفعه للخوف من أن يقال عليه ما ليس فيه، خصوصا أن هذا الجو أصبح عامرا بالاتهامات الجزافية وبقى تخوين الذمم عشوائيا وبلا سند، ومن هنا أصبح الرجل فى نظر الآخرين فى وضع الشبهات وهو بعيد عنها تماما.
أولاد الناس المحترمين، الشرفاء، يخجلون دائما من الدفاع عن أنفسهم مما ليس فيهم. يتوقعون دائما أن يبادلهم الناس الاحترام بالاحترام، والعفة بالعفة، الا أن الوضع غير ذلك على ما يبدو، لذا يفكر المحترمون الآن فى الانسحاب من المشهد خشية الوقوع فى منطقة الشبهات.
لقد صارحنى المسئول المحترم بأنه ينوى الاستقالة من منصبه. قال لى بعد أن ارتسمت على وجهه معالم الحيرة: «..لكن لو استقلت فى هذا التوقيت، سوف تطالنى الشائعات أكثر، وأصبح كذلك فى موضع الشبهات!»
واستطرد فى حديثه لى وكله ألم: «أسرتى أصبحت فى وضع لا تحسد عليه، محبوسين فى البيت، لا يذهبون إلى النادى أو أى مكان عام آخر اتقاء نظرة ظلم طائشة من مغيب مملوء بترويجات الإعلام المنافية للواقع، والتى تقول: (إن كل المسئولين سواء، وأن جميعهم فسدة) لقد طالت هذه الشائعات أكثر من 13 وزيرًا من حكومة المهندس إبراهيم محلب! حتى أصبحت هذه الحكومة فى نظر الآخرين مسجل خطر رشوة وتربح!».
«لماذا تطال الشائعات كل هؤلاء الوزراء وبهذا الشكل؟» هذا كان سؤالى للمسئول المحترم، فأجاب: «أولا، دعنا نعترف أن هناك فى الحكومة مَن أخطأ، وهو الآن خاضع للقانون، ولكن هناك أبرياء كثر، تحملوا المسئولية فى وقت عصيب وخطير، رفض فيه عدد كبير من الشخصيات العامة تحملها، وهنا لابد أن نبحث عن المستفيد الأول من تشويه هؤلاء الشرفاء فى الحكومة، إنها جماعة الإخوان الإرهابية».
وأكمل المسئول المحترم الإجابة عن سؤالى، شارحا: «...مثلا انظر إلى الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، كان إلى فترة قريبة نجم حكومة المهندس محلب، هو الآن يشوه وتنسج حوله الشائعات والحكاوى الباطلة، عقابا له على حربه ضد التطرف داخل مساجد الأوقاف، وقد استطاع فى فترة وجيزة - بعد توليه هذه الوزارة - أن يطهرها من المتطرفين وأصحاب الفكر التكفيرى. نفس الحكاية تتم مع عدد آخر من الوزراء، الذين وقفوا لجماعة الإخوان الإرهابية بالمرصاد وأجهضوا مخططاتها، أصبحوا الآن يلاحقون بشائعات أنهم فسدة ومرتشون!».
انتهى حوارى مع المسئول المحترم الذى لوعته الشائعات.
دعونا نضع قاعدة، إن كنا صادقين فى حبنا لهذا البلد، تلك القاعدة تقول «لا أحد فوق القانون» إذن علينا أن نحترم الاجهزة التى تطبق القانون فى الدولة ليس فقط نحترمها، بل، ونصدقها أيضا فيما تقول وتعلن.
فمن غير المنطقى أن نتعامل مع قضية الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة المتهم فى قضية فساد، على أنها قضية حكومة «محلب» بالكامل، ومن غير المعقول أن نصدق الترهات التى تقول إن جميع أعضاء الحكومة فسدة ومرتشون، تلك النظرة قاصرة ولا تصدقوها، فلو هم كذلك فعلا، لكانوا الآن بجوار «صلاح هلال» فى محبسه الاحتياطى على ذمة القضية، فليس فيهم من على رأسه ريشة تحميه من المحاسبة، ولا حتى الوزير محلب نفسه.
إذن، علينا جميعًا أن نراجع أنفسنا قبل الانزلاق إلى مناطق خطرة ليست فى صالح الوطن، وأن نشاهد قنوات الجماعة الإرهابية، خاصة «الجزيرة» التى تروج فى برامجها، ليل نهار، لأن حكومة «محلب» مشكلة من الفسدة والمرتشين، وأن مصر الآن تعيش عصر السرقة الرسمية العلنية، وهذا غير صحيح بالمرة.
ليس لدينا أى خيار إلا أن نفيق وننتبه لما يدور حولنا، وما يحاك لنا قبل فوات الأوان، وقبل أن نحرق بأيدينا الأخضر واليابس، بلادنا فى غنى عن كل هذه المهاترات التى يزرعها فى عقولنا إعلام منفلت وكيانات إرهابية تجيد تخريب الأوطان، لكنهم لن ينالوا من مصر أبدا.
فهل ننتبه لهذه الفتنة التى سوف تجعل أى مسئول يفكر ألف مرة قبل تولى المسئولية؟