
عصام عبد الجواد
«الجيزة» بلا مياه.. و«الهراس» بلا دم!
ركزوا معى...
الأسبوع الماضى استقال ديمتريس كامينوس، وزير شئون البنية التحتية فى اليونان، بعد 24 ساعة من حلف اليمين، قال «كامينوس» فى حيثيات استقالته: «أستقيل حرصا على مصلحة البلاد وتأمينا لحسن سير الحكومة الجديدة»، بالمناسبة، لم يرتكب «كامينوس» مخالفة واحدة اثناء اداء مهامه الوزارية، بل استقالته جاءت استجابة لحالة غضب من تصريحات سابقة قالها قبل أن يتولى مهامه الحكومية!
فى نفس الأسبوع، وزير آخر فى اليابان يستقيل، إنه هاكوبن شيمومورا، انسحب من الحكومة بعد نشر تقرير يوجه له أصابع الاتهام بالتسبب فى فشل مشروع الملعب الأوليمبى الرئيسي، الذى كلف الدولة 1.87 مليار يورو، ولم تنته الأشغال به. «شيمومورا» اعتذر بعد الاستقالة وقال: «الحقيقة، أننى تسببت فى إزعاج كبير لكثير من الناس بسبب مشكلة الملعب الوطني. لهذا، قدمت استقالتى بناء على قرارى الشخصى».
تعالوا نعود إلى مصر، بمزيد من الأسى، لأعرفكم على نائب محافظ الجيزة، اللواء علاء الهراس، فـأنا لا أعرفه، ولا أريد أن أعرفه، فهو شخص لا يستحق أبدا أن يعرفه أحد. لكن بحكم منصبه عرفته فى الأيام الأخيرة من خلال تصريحاته العنترية فى كل وسائل الإعلام عن أزمة انقطاع المياه بالجيزة.
«الهراس» نموذج مثالى للموظف الكسول، البليد، المقاوح، لا يجيد من أنواع الكلام سوى التبريرات والمراوغة، للهروب من كل مسئولياته التى جاء من أجل اتمامها. فأهالى الجيزة (وأنا واحد منهم) منذ أسابيع عديدة (تزيد على الثلاثة أشهر) وهم يعانون من انقطاع المياه عن بيوتهم، لفترات طويلة ومرهقة، قد تصل إلى 21 ساعة فى اليوم، ولا تعتبروا فى قولى مبالغة إذا ما قلت إن هناك بيوتا فى الجيزة المياه لم تبلل «حنفياتها» لأكثر من شهر!
«الهراس» لم تزعزعه تلك الجريمة فى حق الناس، بل أسهب فى التملص والتبجح، وحوّل دفة الاتهامات إلى وزارة الرى، قال فيما معناه «أنا ماليش دعوة يا هووه، وزارة الرى السبب».
لقد ضربت لكم امثلة لنماذج من المسئولين فى الدول التى تحترم المواطن، وكيف يسارعون بتقديم استقالاتهم عندما يشعرون، مجرد شعور، بالتقصير، الا ان الوضع لدى «الهراس» أفندى مغاير تماما، فهو لا يعرف سوى المسارعة لتبرئة محافظة الجيزة، واتهام وزارة الرى بأنها السبب فى الأزمة، قائلا: «إنها فى هذا التوقيت من كل عام تخفض منسوب مياه النيل 10 سنتيمترات ما يتسبب فى عدم وصول المياه إلى الشبكات»، وأضاف: «وزارة الرى استهلكت 25٪ من كمية المياه التى تصل للمحافظة لاستعمالها فى تنظيف الطفيليات الموجودة فى المواسير»، وزارة الرى تفعل كل هذا بينما المحافظ ونائبه يقفان كما «خيال المآتة» يتفرجان فى صمت!
«الهراس» فى سوق المسئولين ليس استثناء، بل هو القاعدة، هناك آلاف من «الهراس» فى كل قطاعات البلد، يعرفهم المواطن البسيط جيدا، ويحفظ ألاعيبهم، فكل «هراس» لا يهمه غير الاستمرار فى الكرسى والدفاع عنه، حتى لو وصل الامر إلى ذهاب المواطن إلى الجحيم عطشا وجرباً لعدم استخدامه المياه.
أما المحافظ الذى يرأس «الهراس» المدعو خالد زكريا العادلى، فهو الآخر من أول يوم فى الأزمة تنصل من المسئولية، مؤكدا «المحافظة ليست مقصرة، والمشكلة سببها الشركة القابضة للمياه». لم يكتف «العادلى» بذلك بل ترك المحافظة وذهب إلى باريس فى إجازة! فقد سافر قبل عيد الأضحى بيومين ليقضى إجازته فى فرنسا، تاركا أهالى المحافظة يعانون نقص المياه وكأن لسان حاله يقول: اخبطوا رءوسكم فى أقرب حائط!
وهنا أتساءل، لماذا لا يحاكم هؤلاء على هذا الإهمال؟ لماذا لا يستقيلون؟ واذا كانوا بلا دم، لماذا لا يقالون من مناصبهم؟ ثم يحالون إلى النائب العام ليحاكموا ويكونوا عبرة لغيرهم من المسئولين الذين لا يهمهم مصلحة المواطن؟
لقد افتتحت مقالى بمثالين لاثنين من الوزراء استقالا دون ان يجرح أحدهما أظفر مواطن، ودون ان يمس انسانا بسوء، تركا المسئولية ورحلا واعتذرا.
اما فى بلادنا لا يجد مسئولو الجهاز التنفيذى اى غضاضة فى ان يلوّع مسئول كام مليون مواطن، يعانون العيش بلا ماء لشهور، عادى جدا، طظ فى المواطن، المهم المسئول يجلس فى مكتبه، يُسمّن أفخاذه، ويتفسح آخرون فى باريس وشوارع باريس وليالى باريس، ويهنأ بأموال الشعب الذى يموت عطشا فى بلد به اطول انهار العالم!
من يحاكم هؤلاء المسئولين الذين يعملون ضد مصلحة الدولة وضد مصلحة الوطن؟ فهم يعطون بجهلهم وتقصيرهم ذريعة لجماعة الإخوان الإرهابية للانقضاض على الإنجازات التى تحدث، فمكينة الشر الإخوانية أرجعت، كذبا، انقطاع المياه المتكرر فى الجيزة إلى سد النهضة، قائلة ان رئيس الجمهورية هو السبب فى الأزمة بعد موافقته على بناء سد النهضة الذى يتسبب فى نقص المياه وسيؤدى إلى جفاف مصر، وكل ذلك كلام كاذب وليس صحيحا بالمرة.
على حكومة المهندس شريف إسماعيل التخلص من هؤلاء المسئولين الكسالى الجهلاء، الذين لا يهمهم غير الجلوس على مقاعدهم دون النظر إلى مصلحة الوطن، فهؤلاء لا تجرى فى عروقهم دماء، ولا حتى مياه!