
محمد عبد النور
الرحيل.. الآن وفورا
من الواضح أن الرئيس مرسي قد اختار.. بعد أن تأخر بيان الرئاسة المثير للجدل علي مهلة الـ٤٨ ساعة الممنوحة من الجيش الذي تأخر عدة ساعات انتظارا لإجراءات حشد من جماعة الرئيس وأهله وعشيرته في جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي عند جامعة القاهرة وعدة مناطق أخري من محافظات مصر، وانتظارا أيضا لبيان ما يسمي باللجنة الوطنية للدفاع عن الشرعية وما أعلنوه عن رفض تام لبيان الجيش.
ألقي الرئيس د. مرسي ورقته الأخيرة مراهنا علي صورة لمشهد يبدو فيه حشد مؤيدي الرئيس مماثلا أو علي الأقل موازيا للملايين التي خرجت علي نحو غير مسبوق في التاريخ المصري تطالب برحيل الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مثلما هناك معارضون هناك أيضا مؤيدون، في هذا السياق لا يستطيع الرئيس أن ينزل علي رغبة فصيل ضد آخر، ولا يملك أن يلبي رغبة فريق ضد فريق آخر، فهو رئيس لكل المصريين، الأغلبية والمعارضة، وهكذا تسير الحياة الديمقراطية والحل الوحيد عنده هو الدعوة الي حوار وطني.
وهي الصورة الذهنية التي طالما استند إليها الرئيس مرسي في خطاباته أو أحاديثه الرسمية وآخرها خطابه الأخير، عند تعاطيه مع أي استحقاق سياسي يتعلق بالوفاق الوطني، بغض النظر عن فساد الاستدلال في الطرح، بكل القياسات الديمقراطية، وبغض النظر أيضا عن الوضوح الشديد في غرض الرئيس مرسي من طرح هذه الصورة الذهنية، علي أنها رغبة الأغلبية، وعلي الجميع انتظار الصندوق، ليثبت من اقدام المشروع السياسي لجماعته وأهله وعشيرته أولا، وثانيا ليبدو الأمر أمام المجتمع الدولي كخلاف سياسي طبيعي يدور في إطار من العلاقة بين الحكم والمعارضة.
فمع من سيتحاور الرئيس مرسي؟ ومع أي فصيل أو تيار أو حزب سيتوصل إلي اتفاق وطني؟ فالقرار الآن في يد الملايين في الشارع التي تملي علي تيارات المعارضة مطالبها وتصوغ مفرداتها، بما لا يملك معه أي فصيل أ وتيار أو جبهة معارضة أن يمثلها أو يتحدث باسمها، فقوي المعارضة الان في الطابور الخلفي وراء هذه الملايين المحتشدة في ميادين مصر كلها.
فإذا أراد الرئيس مرسي أن يعرف مع من يتحدث في بر مصر فها هو الشعب وها هي الأغلبية المطلقة في الميادين فليتحدث معه ومعها، وهي لم تعط توكيلا لأحد ولم تفوض أحدا بالحديث باسمها، وإذا صدق الرئيس مرسي في نيته للتوافق الوطني فعليه أن يلبي المطلب الوحيد للملايين المحتشدة.
ولكن الرئيس مرسي اختار.. متقولا علي الشرعية الدستورية متمسحا بها.. فأية شرعية يتحدث عنها هذا الرجل؟ وأية مشروعية يدعي بها أنصاره وجماعته وعشيرته؟ لقد انتهك هذا الرجل الشرعية الدستورية بإصداره إعلانا دستوري ديكتاتوريا فاشيا، وارتكب من الافعال واتخذ من القرارات ما فرض أوضاعا لا هي من الدستور ولا هي من القانون ولا هي من الديمقراطية امر واقع قمعي علينا أن نتجرعه ونتعايش معه مستسلمين، كأسري حرب وسبايا، والا فسيف الميليشيات لرءوس قد أينعت، وعصي الجماعات لمن عصي، وقوانين مجلس الشوري المشبوهة لتستيف الامور ورص أوراق التمكين بعضها فوق البعض، لقد مزق الرئيس مرسي بنفسه أوراق اعتماده الدستوري، وحرق التفويض الممنوح له بالصندوق الانتخابي حين أوصل البلاد الي حافة السقوط في نار الاقتتال الداخلي.
وقد اختار الرئيس مرسي أن يكمل حتي النهاية رهانه الخاسر وحرق البلد، غير عابئ بدم المصريين الذي علي وشك الاستباحة الان في الشوارع من الطرفين المؤيدين قبل المعارضين، بيان الرئاسة في مضمونه رفض الرئيس المطلق لمهلة الـ٤٨ ساعة لتلبية المطلب الوحيد للشعب في الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومن ثم اصبح عليه الرحيل.. حقنا للدماء.. الرحيل دون مهلة.. الان وفورا.