الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مافيا القمح وفساد الذمم

مافيا القمح وفساد الذمم






■ مصر تعيش أزمة حقيقية فى إنتاج وزراعة القمح، فالكميات التى نزرعها من القمح لا تكفى الاحتياجات المطلوبة ونستورد أكثر من 50٪ من احتياجاتنا من هذه السلعة الاستراتيجية، لكن فى الأيام الأخيرة تحول القمح إلى فزورة كبيرة يجب على من يحلها أن يحصل على جائزة نوبل فى الرياضيات.
فالأرقام والواقع يقول إن المساحة التى تمت زراعتها بالقمح فى مصر هذا العام بلغت 1.3 مليون فدان يصل إنتاجها على أقصى تقدير 4 ملايين طن قمح، وهو أمر معروف لدى جميع خبراء الزراعة والمزارعين والعالمين ببواطن الأمور، لكننا فى الفترة الأخيرة فوجئنا بأن وزارتى الزراعة والتموين تعلنان بشرى سارة للمصريين بأنهما تسلمتا 5 ملايين طن قمح من المزارعين، وتم تخزينها فى الشون التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعى والصوامع والمطاحن التابعة لوزارة التموين بالمحافظات، وهو أمر يدعو للدهشة، فمن أين جاءت المليون طن قمح الزيادة رغم أن إنتاجية الفدان هى بعينها لم تتغير، حيث ينتج فدان القمح من 14 إلى 18 إردباً وفى بعض المناطق البسيطة قيل إنه وصل إلى 20 إردباً وهو ما يعنى أن متوسط زراعة 1.3 مليون فدان لا يزيد بأى شكل من الأشكال على 4 ملايين طن بل يمكن أن يقل عن ذلك.
حتى كانت المفاجأة عندما كشفت شرطة التموين والأجهزة الرقابية عن الحقيقة بأن هناك وقائع فساد ضخمة فى عمليات توريد القمح أغلبها فى صوامع القطاع الخاص التى تستغلها مافيا القمح من أصحاب الذمم الفاسدة وقلة الضمير، والتى تقوم بخلط القمح المستورد بالقمح البلدى، وتحصل على فرق سعر من الأموال يصل إلى 2 مليار جنيه سنويا من مال الدولة والذى هو بالأصح مال المواطن الغلبان، ولكن المفاجأة التى كشفتها أجهزة التحقيق هذا العام أن هذه المافيا اللعينة اكتشفت إحكام الدولة سيطرتها على عمليات التوريد هذا العام على عكس الأعوام السابقة، فلجأت إلى عدة طرق أخرى غير عملية خلط القمح البلدى بالمستورد، منها إثبات توريد قمح فى الدفاتر دون أن يتم التوريد أصلا ثم يتم بعد ذلك استيفاء الكمية بتزويد وزن القمح الذى يتم تسليمه بالرمال أو التراب وضبط الدفاتر وتستيفها.
أجهزة الأمن استطاعت كشف الوقائع فى صوامع العبور والقاهرة والقليوبية والشرقية والإسكندرية، وتجرى الآن حملات مكبرة على العديد من الصوامع والشون، خاصة التى تقع فى قبضة القطاع الخاص، بعد أن اكتشفت أجهزة الدولة أن هناك مافيا من أصحاب الذمم الخربة التى تقوم بسرقة أموال الشعب المخصصة للفلاحين والمزارعين كفروق توريد القمح، فيحصل عليها لصوص المال العام من مافيا القمح، فى القليوبية والشرقية حدثت عملية تلاعب بلغت قيمتها 204 ملايين جنيه قام بها 16 مسئولا.
لقد ابتكرت مافيا القمح أكثر من حيلة شيطانية للتلاعب فى الصوامع والمخازن فى غياب الرقابة والتوريد بلا ضوابط حتى تحولت عمليات تسليم القمح موسماً للاستيلاء على أموال الدعم المخصص للمزارعين، ونحتاج إلى وقفة جادة مع هؤلاء الذين لا ذمة لهم ولا ضمير لحصول الفلاحين على حقوقهم وعدم ضياع أموال الشعب بالمليارات على سارقى الوطن، هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون الذين تجب محاكمتهم وإنزال أشد عقاب عليهم لأنهم - ومنذ سنوات طويلة - وهم يتلاعبون فى عمليات تسليم القمح، ففى الماضى كانوا يوردون القمح المستورد للصوامع أو الشون بحيازات زراعة وهمية ليحصلوا على فرق السعر من مائتى جنيه للإردب إلى أربعمائة جنيه للإردب الواحد، وبعد أن أحكمت الدولة سيطرتها على عمليات الاستيراد والتوريد بدأت خططهم الخبيثة مرة أخرى رغم أنهم كانوا أيضا يستوردون أقماحاً أقل جودة بل البعض منها غير صالح للاستهلاك الآدمى والبعض الآخر مسرطن.
نطالب أجهزة الدولة بالإعلان عن أسماء هؤلاء وكشفهم وكشف ألاعيبهم وكشف أرصدتهم فى البنوك ومحاكمتهم محاكمة عاجلة وإنزال أشد العقاب عليهم ليكونوا عبرة لغيرهم ولمن تسول له نفسه اللعب بقوة الشعب المصرى.
رغم أن مصر تتقدم بالفعل فى إنتاج وزراعة القمح، سواء من حيث زيادة الإنتاجية أو من حيث المساحة المنزرعة، مما يقلل الفجوة من عمليات الاستيراد، لكن يبدو أن مافيا الاستيراد ومافيا أصحاب الذمم الخربة لن يتركوا الشعب المصرى فى حاله، وثقتنا فى القيادة السياسية التى بنت هذا الكم من الصوامع لتخزين القمح وتقليل الفاقد من 20٪ إلى 5٪ كبيرة بالقضاء على هذه المافيا التى تنهب أموال الشعب.