السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الصمت الرهيب يا أستاذ «هيكل»!

الصمت الرهيب يا أستاذ «هيكل»!






منذ شهر بالضبط نشرت الزميلة الأهرام فى صفحتها الأخيرة إعلانًا يعلن للقراء والمهتمين صدور الجزء الأول من مقالات «بصراحة» للأستاذ محمد حسنين هيكل لأول مرة فى المكتبة العربية، مرتبة طبقًا لنشرها الزمنى فى الأهرام منذ توليه المسئولية عام 1957 وحتى مغادرة الصحيفة عام 1974 بتصدير للأستاذ «أحمد السيد النجار».
يحتوى المجلد الأول على مقالات بصراحة من أعوام 1957، 1958، 1959 والمجلد صدر عن مركز الأهرام للنشر ومديره الأستاذ «محمد الشاذلي».
صدر مجلد «بصراحة» منذ شهر بالضبط، صدر فى صمت دون زيطة أو زمبليطة، فقد رحل الأستاذ هيكل، الذى كان ملء السمع والبصر، وحوله ومعه مئات الدراويش وآلاف الحواريين الذين ينطقون باسمه، ويتحدثون نيابة عنه، ويملأون الدنيا كلامًا عنده بمناسبة أو غير مناسبة.
نعم فى حياة الأستاذ هيكل، رحمه الله كانت هناك شلة تلتف حوله، وتحاصره، وتبعد عنه ما تشاء، وتسمح بالقرب منه لمن تشاء.
فى عيد ميلاد الأستاذ 23 سبتمبر من كل عام - كان الدراويش والحواريون يملأون الصفحات بالكلمات والمقالات تحية وتقديرًا وعرفانًا، والبعض يكتب عن قيمة وقامة الأستاذ «هيكل» ليس فى الصحافة المصرية وحدها بل فى الصحافة العربية!
وكانت الصحف والمجلات تتبارى فى إصدار ملاحق خاصة عن الأستاذ بهذه المناسبة تتضمن مقالات له وعنه وصورًا نادرة من ألبومه الشخصى وأحيانًا حوارات معه!!
وما أكثر المرات التى هوجم فيها الأستاذ «هيكل» وكان يصمت ويتعفف عن الرد، فكان يتولى الرد والهجوم المضاد الدراويش والمحبون وباقى أفراد الشلة!!
وما أكثر المرات التى كنا نقرأ فيها لهؤلاء ويكاد أسلوبهم وعباراتهم تكاد تكون نسخة مشابهة لأسلوب وعبارات الأستاذ حتى طريقة الكلام والحديث والإيماءات والإيحاءات اقتبوسها منه أو قلدوه فيها،لكن الأصل كان موجودًا دائمًا.
كل محاضرة ألقاها الأستاذ «هيكل» فى مصر أو خارج مصر كنت تجدها منشورة بالكامل فى صحيفة أو مجلة، وسرعان ما تجد طريقها للنشر فى كتيب من إصدار دار الشروق التى تخصصت فى السنوات الأخيرة فى نشر كتب الأستاذ وتسويقها!
وعندما قرر الأستاذ هيكل اعتزال الكتابة وكتب مقاله الشهير «استئذان فى الانصراف، رجاء ودعاء وتقرير ختامى خريف سنة 2003 بمناسبة بلوغه سن الثمانين.
وبمجرد نشر المقال فى الأهرام قامت الدنيا ولم تقعد من الحواريين والدراويش تطالبه بالعودة عن قراره،وأدت نداءات المطالبة بذلك إلى أقلام عربية عديدة وسرعان ما صدرت هذه الكلمات فى كتيب عن دار الشروق بنفس الاسم أيضًا.
ولم يهنأ خصوم وأعداء الأستاذ طويلًا بقرار اعتزاله فقد خاض تجربة أخرى أكثر مشاهدة وجماهيرية عندما اختار قناة الجزيرة يطل منها مساء كل خميس ليروى تجربة حياة عريضة صحفيًا وسياسيًا. وسرعان ما يعيد نشرها بعد ذلك «الشروق» وصحف أخرى.
باختصار شديد كان الأستاذ يملأ الدنيا بما يقوله وما لا يقوله، يشغلها كاتبًا ويشغلها متحدثًا، ولم يغب لحظة واحدة عن مسرح الأحداث حتى بعد ثورة 25 يناير فقد كتب وقال وتحدث كثيرًا بل أنجز كتابة «مبارك وزمانه» ثم جاءت حلقاته الأخيرة الممتدة مع الزميلة العزيزة «لميس الحديدى» طوال أسابيع عديدة.
ورحل الأستاذ «هيكل» وتوقفت حفلات الزار من دراويشه وأنصاره الذين ملأوا الدنيا حديثًا وكلامًا عنه، وعندما يصدر المجلد الأول من تراثه «أقصد مقالات بصراحة» فلا حس ولا خبر، لا مقال نقدى، ولا كلمات تحية، لا دراسة عميقة عن هذه المقالات، لا برنامج «توك شو» ناقشها أو استعرضها لا شيء من ذلك كله.
هذا الصمت المريب لفت انتباه كاتبنا وشاعرنا الأستاذ «فاروق جويدة» عندما كتب منذ أيام فى الأهرام يقول «هيكل كاتب من طراز فريد وصاحب تجربة غير مسبوقة، وقل هذا كله هو رجل صنع أسطورته بنفسه وكتبها سطرًا سطرًا، افتقدت الأستاذ هيكل رغم أنه الغائب الحاضر، ولكننى تساءلت مع نفسى والأهرام يصدر أول كتاب فى سلسلة مقالاته بصراحة عن مركز الأهرام للترجمة هل يعقل أن يصدر الكتاب ويحتويه كل هذا الصمت؟! أين الحواريون والتلاميذ الذين شاركوا هيكل مشواره الطويل تعجبت من ردود الأفعال وهيكل فى رحاب خالقه! هل هو النسيان أم الجحود أم أعباء الحياة التى جعلت الإنسان يتخلى عن كل شيء حتى ذكرياته. لم يحتفل أحد بكتاب هيكل!! ولو كان على قيد الحياة لكانت الاحتفالات تغمر كل الإعلام المصري!! هل هو النسيان؟! وهل هيكل الشخص والفكر الذى ينسى!؟
يبدو هذا - للأسف - يا أستاذ «فاروق»!!