السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» ترفض تأديب توفيق الحكيم!

«روزاليوسف» ترفض تأديب توفيق الحكيم!






قامت الدنيا ولم تقعد عندما كان الأستاذ.. توفيق الحكيم ينشر رائعته «يوميات نائب فى الأرياف» مسلسلة فى مجلة الرواية ثم طبعها فى كتاب بعد ذلك سنة 1937.
كان أكثر مَن غضب مما كتبه الأستاذ توفيق الحكيم بعض رجال القضاء ورجال النيابة، وطالب أحدهم بأنه يجب أن يؤدب توفيق الحكيم!
ومنذ اللحظة الأولى وقفت «روزاليوسف» مع الحكيم واستغربت المطالبة بتأديبه وكتبت تحت عنوان «ثورة على توفيق الحكيم» تقول: توفيق الحكيم يؤدب؟ وهل للأديب الفنان حيلة فيما يكتب؟ ماذا كان فى وسع الأديب الفنان أن يفعل وقد قدر له أن يكون وكيل نيابة! تمر به حوادث القتلى والسلب والحرق، وتمر به أشخاص من مختلفى الطبائع والأخلاق، ويعيش كما يقول هو فى مقدمة كتابه مع الجريمة فى أصفاد واحدة، ما كان يستطيع ـ وهو الأديب الفنان ـ إلا أن يتخذ من هذه الحوادث التى مرت به فصول قصص رائعة متعددة المشاهد وفيرة الأبطال.
شىء واحد يجب أن يقال هذا هو براءة الفنان فى كل ما يكتب فقد يسخر أحيانًا، ويهزأ أحيانًا ولكنه برىء أبدًا، فهو لا يريد أن يسم كرامة إنسان وكانت هذه البراءة هى التى شفعت للأستاذ «توفيق» لدى الغاضبين وما لبثوا ان شعروا بها فأقبلوا على قراءة مذكراته معجبين!
كان سعادة «توفيق بك» وكيل النيابة إذا طوى أوراق التحقيق وملفات القضايا، استيقظ توفيق الفنان وإذا حوادث اليوم العادية المألوفة تمر به صورًا رائعة تناولتها ريشة مصور ماهر، وإذا من مروا من زملاء وكتب وموظفين ولصوص وقتلة يراهم جميعًا.
أبطال قصة أنتجها خيال فنان بارع فيروح يتعهدهم بقلمه كما تعهد «شهرزاد» و«بريسكا» و«محسن» و«عنان» (أبطال روايته).
هذه الحوادث التى دونها الأستاذ توفيق الحكيم فى «يوميات نائب فى الأرياف» مرت أمثالها، ومر ما هو أروع منها من قبل على آلاف من رجال النيابة ومن رجال البوليس، ومن غيرهم ممن عاشوا فى الأرياف، ولكن الفنان وحده هو الذى يشعر بما يمر به من حوادث يومه، ويجد منها موردًا عذبًا لخياله الخصب، فليست يوميات نائب فى الأرياف إلا مجموعة حوادث مما يقع كل يوم وفى كل بلد، كتبها صاحبها فى غير كلفة ولا تخيل، وليس أشخاصها إلا ممن تقع أبصارنا على أثمالهم كل يوم، ولكن الفنان رآهم جميعًا أبطالًا حتى خفير الدرك وعسكرى الدورية والسارق والذى يطلق الأعيرة النارية من بين أعواد القمح.
وهذه اليوميات إنما هى مشاهدة صادقة كل الصدق إلا أنها إخراج  الأستاذ توفيق الحكيم ومن هنا كانت تلك الروح الفنية الحارة التى طغت على كل الكتاب، ورأينا فى هذه اليوميات حياة المحاكم فى الأرياف ثم حياة الموظفين جميعًا فى الأرياف ثم حياء الريف كله.
تقرؤها فتجد فيها صور الحياة الريفية فى مصر، وصفها صاحبها وصفًا بديعًا قيمًا، ساخرًا أحياناً، لكنها سخرية عذبة حلوة وهو يصف الناس الذين مروا به فى يومياته! وصف فنان صادق، وقد يسخر بهؤلاء الناس لا يعنيه إن كانوا عظماء أو صعاليك! ويسخر حتى من القانون فتجد من تلك السخرية العظة البالغة!
وهل ترى أشد سخرية منه وهو يصف موقف وكيل النيابة من سارق كوز الذرة الذى ساقه الجوع إلى قطعة من الغيط! فيسأله النائب إن كان يستطيع ان يدفع الكفالة ليفرج عنه! وإذ يجيب الرجل: لو كانت معى لأكلت بها! فيأمر سعادة الوكيل بحبسه!
وتمضى «روزاليوسف» فى دفاعها الحاد عن «توفيق الحكيم» فتقول: لم يرحم «توفيق» أحدًا من أبطال يومياته حتى زميله وملازمه وحتى كاتبه وحاجبه والقاضى الموسوس والقاضى المستعجل، كل هؤلاء نالهم من قلمه غير القليل، ولكنك تشعر بأنه بحبهم جميعًا كما يحب الفنان الحق أبطال قصته، فلم يكن ساخرًا بهم وانما كان مداعبًا.
وهكذا استطاع توفيق بفنه أن يتخذ الثورة التى كادت تطغى عليه ما أخرج للناس كتابًا جديدًا بأن يهنأ عليه أصدق تهنئة!
وهكذا انحازت روزاليوسف إلى «الحكيم» مفكرًا وفنانًا وأديبًا!