الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اللعب بالنار

اللعب بالنار






منذ ما يزيد على ثلاث سنوات كنت فى زيارة إلى مدينة أصفهان بإيران، وأثناء تجولى فى أحد شوارع هذه المدينة الجميلة فى تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل - وهو وقت متأخر جداً بالنسبة لأهل المدينة التى تتحول فى هذا الوقت إلى مدينة للاشباح - وأثناء تجولى فى أحد الشوارع المهمة فى هذه المدينة أنا وأحد الأصدقاء الذين رافقونى فى هذه الرحلة وجدنا أحد الشباب فى الشارع يغنى بصوت عالٍ لعبدالحليم حافظ، وعندما اقتربنا منه وجدناه يجيد العربية باللهجة المصرية ويحفظ عن ظهر قلب أغانى أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب، وأكد لنا أنهم المطربون المفضلون لديه، وأن سماعه للأغانى والفن المصرى - خاصة أفلام الأبيض والأسود - ساعده على إتقان اللغة العربية باللهجة المصرية، وساعده ذلك على حفظ القرآن الكريم جيداً من المدارس المصرية، فهو يحفظ القرآن على طريقة الشيخ الحصرى ويجيد التواشيح الدينية على طريقة الشيخ النقشبندى.
بعدها تقابلنا مع عدد كبير ممن يجيدون اللغة العربية باللهجة المصرية، وقد ساعدهم على ذلك متابعتهم الأفلام والمسلسلات التليفزيونية المصرية القديمة، نفس الأمر فى العديد من الدول مثل أذربيجان وكازاخستان وغيرهما من دول الاتحاد السوفيتى التى استقلت عنه، وهى فى الأصل دول إسلامية سنية، كانوا يتعلمون اللغة العربية من الفن المصرى من خلال الأفلام القديمة لدرجة أن أحدهم وصف لى شوارع القاهرة وكأنه يعيش فيها، لكنهم جميعا اجتمعوا على أنهم كانوا يتابعون الفن المصرى من خلال أفلام الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات.. هذا الكلام يقودنا إلى حقيقة تغير كل شىء.
فهناك خبر صغير نشر فى عدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية منذ عدة أيام لم يتوقف عنده أحد ولم يحقق فيه مسئول حكومى أو يصدر بيان اعتذار من أى جهة من الجهات المسئولة عن البرنامج الرمضانى «اللعب بالنار»، فقد أورد الخبر أن طفلا صغيراً لفظ أنفاسه الأخيرة بعد رحلة علاج استغرقت قرابة شهر ونصف الشهر داخل مستشفى الحوامدية إثر إصابته بحروق فى مختلف أنحاء جسده، وتبين من تحريات المباحث أن المتوفى حاول مع ثلاثة أطفال آخرين تقليد برنامج «رامز بيلعب بالنار» لكنهم تسببوا فى مقتل أحدهم حرقا بعد أن اشتعلت النيران بجسده وتم نقله إلى المستشفى حتى لقى مصرعه متأثرا بحروقه، وفر أصدقاؤه هاربين، وعند سؤال الأطفال الصغار أكدوا أنهم كانوا يقلدون برنامج اللعب بالنار ومن هنا فقد تحول برنامج من المفروض أن يكون ترفيهيا إلى برنامج لتعليم الأطفال اللعب والحرق بالنار، هنا فقط عرفت الفرق بين ما كان يقدمه الفن المصرى الذى تخطى حدود المنطقة العربية إلى العالمية ولم يكن المقصود منه جمع الأموال واللعب على المشاعر والأحاسيس أو التسلية فقط، بل كان الهدف منه أكبر وأسمى من ذلك بكثير لدرجة أن العديد من الأجيال فى تلك الدول التى وصلها الفن المصرى فى شوق إلى رؤية أم الدنيا والبعض منهم أحبها ودافع عنها بكل قوة، أما الآن فقد خسرنا كل شىء بأيدينا وأصبحنا بالفهلوة نلعب بالنار وأضعنا الأخلاق والفضيلة ونشرنا العنف والقبح والرذيلة حتى أصبح لا يلتفت إلينا أحد ولا يشاهدنا أحد لأننا ضحكنا على الجميع وأصبحنا نلعب بالنار التى أحرقتنا جميعا، فبدلا من تعليم الأطفال مكارم الأخلاق والفضيلة أصبحنا نعلمهم الحرق والتدمير، وتحول البرنامج إلى ما يشبه تنظيم داعش الإرهابى الذى يحرق ويقتل البشر.
مصر تحتاج إلى أبنائها المخصلين الذين يعملون بجد واجتهاد من أجل خدمة وطنهم لا لمن يلعب بالنار فى هذا البلد وهم كثيرون وليسوا فى الفن وحده بل فى كل المجالات.. رحمنا الله منهم جميعا.