السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحمد بهاء الدين وغرام صاحبة السمو!

أحمد بهاء الدين وغرام صاحبة السمو!






ما أكثر الهوايات التى مارستها وسرعان ما تركتها زهقاً ومللاً أو لعدم شرط توفر المتعة فى هذه الهواية!
جربت هواية الرسم وفشلت!! جربت هواية جمع طوابع البريد لعدة سنوات ثم تركتها، مارست الشطرنج وكنت أتلقى الهزيمة بموت الملك بعد دقائق!!
الهواية الوحيدة التى استمرت معى طوال نصف قرن تقريباً - أو أقل قليلاً - هى متعة الاحتفاظ بالصحف والمجلات القديمة وعلى الوجه الخصوصى، تلك المقالات التى مضى على نشرها عشرات الأعوام، وحينما تعيد قراءتها الآن، فسوف تندهش وتستغرب لفرط طزاجتها وحداثتها وكأنها مكتوبة الآن ولقارئ هذه الأيام!!
أحتفظ بآلاف المقالات والأحاديث الصحفية لنجوم الصحافة والفكر والأدب الذين أضاءوا حياتنا بالنور والمتعة الراقية والفكر الرائع.
ومنذ أسابيع عدت لأقضى أمتع الساعات مع مقالات كاتبنا الكبير «أحمد بهاء الدين» متجولاً بينها، قارئاً ومتأملاً ومندهشاً..
كنز ثمين من المقالات النادرة، من السياسة والاقتصاد إلى الفكر والأدب إلى المشاعر الإنسانية واعترافات مثيرة كانت مجهولة تماماً.
من هذه المقالات التى فوجئت بها تماماً هى قصة أول حب أو غرام وقع فيه الأستاذ «بهاء» وكان عمره لا يزيد على 12 سنة، أما الأغرب والأعجب أن من وقع فى حبها كانت إحدى الأميرات العائلة الملكية التى أنهتها قيام ثورة يوليو سنة 1952!!
عنوان المقال هو «صاحبة السمو» وفيه يقول الأستاذ «بهاء»: كانت أول فتاة أحببتها - بالبنطلون القصير - أميرة من صاحبات السمو من العائلة المالكة السابقة، ومازالت إلى الآن - وقت كتابة المقال سنة 1958 - هى وشقيقتها تعتبران من أجمل نساء مصر!
كنت تلميذاً فى السنة الثانية الثانوية لا يزيد عمرى على 12 سنة، وكانت مدرستى فى حى أرستقراطى هادئ فى مواجهة قصر شامخ له حديقة هائلة يسكنه أمير سابق معروف وزوجة وطفلتان فى نحو العاشرة من العمر، واكتشفت أنا وزميل لى أن نافذة فصلنا تطل مباشرة على قصر الأمير وبالذات على شرفة كبيرة فى الدور الثانى تلعب فيها الأميرتان الصغيرتان، أما الدور الأول فكان يلوح فيه من حين لآخر الأمير نفسه أو زوجة الأمير، وكانت سيدة رائعة الجمال!
على أن أبصارنا تعلقت بالأميرتين الصغيرتين اللتين تلعبان فى الشرفة الواسعة، الوجه الأبيض الذى يكاد يكون شفافاً، والشعر الذهبى ورقة الحركة التى بدت لعيوننا نحن أبناء الشعب وكأننا نشاركهما لعبهما!!
وبدأت أنا وصاحبى نتسلل من فناء المدرسة خلال الفسحة إلى الفصل حين لا يوجد أحد، ونحدق فى الأميرتين، وكأن عيوننا ستخرج من محاجرها وتقفز إلى الشرفة ولاحظت الأميرتان فلم تفزعا، على العكس كانتا تضحكان إذا حدث بينهما شىء مضحكه، فنضحك نحن أيضاً وكأننا نشاركهما لعبهما!!
ثم خطونا خطوة أخرى، فكنا نشترى بمصروفنا كله «شيكولاتة»، ونستعمل «نبلهة» صغيرة فى قذف الشيكولاتة إليهما، وكانتا تقبلان على تلقفها وتضحكان!! وكأنها لعبة جديدة، حتى نرى المربية آتية فنختفى من النافذة!!
وكانت تلك السنة سنة مضطربة حافلة بالمظاهرات والاضطرابات فلا يمر أسبوع دون أن يحاصر البوليس المدرسة ونتشعلق نحن كالقرود على الأسوار ونهتف ضد الحكومة!! ونقذف البوليس بالطوب وقراطيس الرمل المبلول وكانت الأميرتان وخدم القصر يتفرجون على هذا المشهد عادة، وكنت أنا وصاحبى نهتم بأن ترى الأميرتان كفاحنا الوطنى فنصرخ بالهتاف وننهمك فى قذف البوليس بالطوب عندما تكونان موجودتين، حتى وقفنا مرة فى وجهيهما فوجدنا عليهما علامات الفزع الإعجاب!! فبدأنا نقذف الطوب من مناطق أخرى غير المنطقة التى تطل عليها نافذتهما!!
على أن أعظم مغامرات - أنا وصاحبى - كانت بعد ذلك بشهور، عندما قررنا أن نراهما عن قرب، بأى ثمن، وكانت الخطة بسيطة، ففى لحظة انصرافنا من المدرسة نحو الساعة الرابعة عصراً تكون الأميرتان فى الحديقة تلعبان، وكانت الخطة أن نقذف كرة معنا إلى داخل الحديقة ثم يذهب واحد منا كالملاك الوديع إلى البواب ويرجوه أن يسمح له بالدخول ليبحث عن الكرة!!
ووافق البواب أول مرة، ودخلت الحديقة مبهور الأنفاس، ومررت بجوار الأميرتين تماماً، وضحكت الطفلتان، وجرت إحداهما إلى الكرة وأعطتها لى، وعدت ظافراً.
وعندما كررنا التمثيلية بعد يومين ليدخل صاحبى صرخ البواب فى وجهنا ونادى على خادم أحضر الكرة من الحديقة وأنذرنا بأنه سيمزقها فى المرة المقبلة.
وعدنا إلى نافذة الفصل.. ولكن لم تمض أيام حتى صدر أمر من المشرف بإغلاق كل نوافذ الفصول المطلة على القصر فى فترات الفسحة والاستراحة حيث لا يكون الأساتذة موجودين فى الفصول.
وظهر أن التلاميذ الكبار فى خامسة ثانوى يعاكسون زوجة الأمير، وأن الأمير شكا لناظر المدرسة فأصدر هذا الأمر، دون أن يعلم أنه قد حطم قلبين صغيرين فى سنة ثانية أول!!
انتهت القصة وأعود بذاكرتى عندما حاورت الأستاذ «بهاء» وذكرته بهذه القصة، أخذ يضحك من أعماقه وعلق قائلاً: «شقاوة عيال»!!