السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السينما لا تكتب التاريخ!

السينما لا تكتب التاريخ!






ما أكثر الموضوعات التى شغلت بال وعقل أستاذنا الكبير «أحمد بهاء الدين» واحد من ألمع وأنبغ أبناء مدرسة «روزاليوسف»  وهو مؤسس مدرسة الكتابة العقلانية الهادئة التى تخاصم الزعيق والشعارات ودغدغة عواطف القراء!!
من الموضوعات المهمة التى شغلت الأستاذ «بهاء» كتابة التاريخ سواء تاريخ الأوطان والثورات والحوادث أو الأشخاص!!
ويقول الأستاذ «بهاء» كتابة التاريخ قضية شخصية، ولذلك فإنه من الحق أن يعجب المرء من كتاب ومؤلفين يطالبون الدولة بكتابة التاريخ!! لماذا لا يكتبون هم ما يرون وما يريدون من تاريخ ويلقون بما يكتبون فى خضم سائر الكتابات التاريخية!!
ولا اعتراض طبعاً على أن تقوم الدولة بكتابة ما تشاء من تاريخ، ولكن لا لكى يكون ــ كما يريد البعض ــ القول الفصل والحكم القاطع ولكن لكى يكون مرجعاً  من المراجع أكثر ولا أقل!
فحتى إذا كانت «الوقائع» ثابتة ومتفقاً عليها، فإن التاريخ ليس سرد وقائع، ولكن هو وضع الوقائع فى إطار معين، وتحليلها فى ضوء منطق معين، فالتاريخ فى أرقى صور وجهة نظر! الحقيقة فيه ملك القارئ، ووجهة النظر ملك الكاتب المؤرخ، وهناك وقائع تاريخية كبرى ثابتة يتخاصم المؤرخون على تحليلها طيلة ألف سنة!
وينتقل «بهاء» إلى مشكلة أعمق حين يقول: وفى خضم الأدوات التكنولوجية المتاحة فى العصر الحديث، وفى عصر ديمقراطية المعرفة بمعنى وصولها إلى الجميع حتى الأميين، إن لم يكن بالقراءة فبالسماع  أو بالمشاهدة، نجد أن أمامنا مشكلة أخرى تحتاج إلى تدبر، وهى ما يجرى كل يوم من إعادة لكتابة التاريخ!!
نترك الآن جانباً الكتب والمؤلفات العلمية والوثائق والمذكرات وكل ما يخطر على البال حين نتحدث عن كتابة التاريخ، أو لكى نستعمل عبارة أوسع «إعادة صياغة التاريخ»!
ما القول فى أفلام السينما التاريخية، بألوانها، والشاشة «السينما سكوب» وجاذبيتها الهائلة على ملايين المشاهدين فى العالم من كل المستويات فى الأعمار والمدارك والثقافة؟!
ما القول فى الحلقات التليفزيونية المسلسلة التى تتحدث عن التاريخ وتدخل كل بيت؟! ما القول فى المسلسلات الإذاعية؟ ما القول فى الروايات المكتوبة؟! ما القول فى مجلات الأطفال وكتب الأطفال ورواج ذى الطابع التاريخى منها؟!
القليل من هذا الفيض الهائل هو الذى تتوفر له الدقة التاريخية، وعدم التضحية بالنزاهة فى سبيل التشويق أو الربح أو الدعاية لوجهة نظر معينة!! والكثير غير ذلك.
كل الأفلام التى تنتجها السينما اليهودية عن قصص الإنجيل، كل المخرجين الذين يغريهم الربح بأفلام عن كليوباترا أو «سبارتاكوس» أو غيرهما.. إلى آخره.
إن فيلماً واحداً بنجومه وأسمائه وألوانه وموسيقاه عن حقبة تاريخية هو الذين يلتصق بالذهن ويمحو من الذاكرة أثر مائة كتاب! فما بالنا وهو يتجه لملايين لا تقرأ الكتب وليس لديها مناعة المعلومات السابقة أو قدرة إدراك الخطأ أو التحريف؟!
وجه الممثل الذى يقوم بالدور يصبح فى الذهن العام وجه البطل! «كيرك دوجلاس» هو «سبارتاكوس»، و«اليزابيث تايلور» هى كيلوباترا، و«أحمد مظهر» هو صلاح الدين الأيوبى، الثياب والقصور والجدران وصور المعارك أو الحفلات كلها تلصق صورة فى ذهن الجمهور، ما هى دقتها يا ترى؟! هل كانت حقاً ثياب العصر وألوانه وحركات الناس وسكناتهم كما نراها على الشاشة؟!
إنها نظرة المخرج وتصوراته والله أعلم بمدى قربها أو بعدها عن  الحقيقة، ولكن هذا هو ما يستقر فى الذهن ويمحو سواه!!
ويعترف الأستاذ «بهاء» بحقيقة مؤلمة حين يقول: «أعظم كتاب تاريخ يقرأه آلاف، فى حين أن أى فيلم يراه ملايين، وأى مسلسل تليفزيونى يراه مئات الملايين.
إن ديمقراطية المعرفة، وإن التكنولوجيا الحديثة كلتاهما تحول عظيم فى حياة العالم، وقد رحبت بهما الإنسانية مفتوحة الذراعين، ولكن الإنسانية لم تجد بعد ما تعالج بها مخاطرهما ومحاذيرهما، لم نكتشف بعد المضادات الحيوية لما يحمله الجديد من جراثيم!
 ولا يزال سؤال الأستاذ «بهاء» حول إعادة التاريخ لم يجد جواباً!!