السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نائب البرلمان يرتدى ملابس الحشمة اللائقة!

نائب البرلمان يرتدى ملابس الحشمة اللائقة!






عدت لقراءة مواد أول لائحة وضعها الخديو إسماعيل لكى تنظم عمل مجلس شورى النواب الذى عقدت أولى جلساته فى 25 نوفمبر سنة 1866 «أى منذ مائة وخمسين عاما» بالضبط!
كانت هذه اللائحة التى سميت «نظامنامه» بمثابة لائحة داخلية للمجلس تتكون من 61 مادة، أما اللائحة الأساسية فتتكون من 18 مادة وبعيدا عن تفاصيل كثيرة لا تهم قارئ هذا اليوم، أتوقف أمام بعض هذه المواد التى أتمنى وأحلم أن يقرأها جيدا نواب هذه الأيام.
فى كتابه المهم «عصر إسماعيل» كتب المؤرخ الجليل الأستاذ «عبدالرحمن الرافعى» محللًا ومفسرًا أحكام اللائحتين فيقول:
يتألف المجلس من عدد لا يزيد على «75 عضوا» ينتخبون لمدة ثلاث سنوات ويتولى انتخابهم عمد البلاد ومشايخها فى المديريات وجماعة الأعيان فى القاهرة والإسكندرية ودمياط!
يشترط فيمن ينتخب عضوًا أن يكون مصريا ومن المتصفين بالرشد والكمال ولا تقل سنه عن خمسة وعشرين سنة وألا يكون ممن صدرت ضدهم أحكام جنائية بالليمان أو من المحكوم عليهم بالإفلاس أو الطرد من وظائف الحكومة بحكم، واشترط فى العضو العلم بالقراءة والكتابة فى الانتخاب السابع «الدورة السابعة» أى بعد مضى ثمانى عشر سنة على تأسيس هذا النظام، لأن مدة كل مجلس ثلاث سنوات، ومعنى ذلك أن النواب كانوا يعفون من هذا الشرط فى الانتخابات الستة الأولى!!
للمجلس توقيع عقوبات على من يتخلف من الأعضاء بدون عذر عن حضور الجلسات، ويتمتع الأعضاء أثناء انعقاد المجلس بشىء من الحصانة النيابة فلا ترفع عليهم دعوى جنائية فى أثناء الانعقاد إلا إذا أرتكب أحدهم جريمة القتل!!
لا يجوز للعضو أن يتكلم إلا إذا طلب الكلام وأذن له رئيس المجلس بذلك، ولا يتكلم إلا وهو فى موضعه، وتصدر القرارات بطريقة أخذ الآراء علانية وبالأغلبية!! وعلى المجلس احترام رأى الأقلية والأصغاء لأقوالها وملاحظاتها!
أعضاء المجلس يحضرون إلى المجلس بملابس «الحشمة اللائقة» وجلوسهم فيه يكون «بهيئة الأدب» ولا يجوز لأى عضو نشر مناقشات المجلس أو طبعها إلا بإذن من الرئيس، وإلا كان عرضة للجزاء الذى يوقعه به المجلس».
وافتتح المجلس يوم الأحد برئاسة «إسماعيل راغب باشا» وحضور الخديو إسماعيل نفسه ومعه أبرز رجال الدولة، وألقى الخديو خطبة العرش وكانت تسمى وقتها «مقالة الافتتاح».
ويفند «الرافعى» حكاية وشائعة طالت جلسة الافتتاح يرددها بعض المؤلفين عن موقف المعارضة بالمجلس فيقول:
زعموا أن «شريف باشا» - وزير الداخلية - أفهم النواب أن المجالس النيابية تنقسم دائما إلى جزءين أحدهما يؤيد الحكومة والآخر يعارضها وأنه يجدد بهم أن يؤلفوا من بينهم هذين الحزبين، وأن أعضاء حزب الحكومة يجلسون فى مقاعد اليمين، ونواب المعارضة يجلسون فى مقاعد اليسار، فاستنكر النواب أن يكون من بينهم من يعارض الحكومة وجلسوا جميعا فى مقاعد اليمين، فأفهمهم «شريف باشا» أنه لابد أن يجلس بعضهم فى مقاعد اليسار فلم يكن من الأعضاء إلا أن تحولوا إليها جميعا!
وظاهر هذه الرواية مسحة الهزل والخيال، فهى ولاشك من مخترعات بعض الكتاب الأوروبيين الذين يطيب لهم أن يبتدعوا أمثال هذه الحكاية!!
ويشير الرافعى إلى شهادة كاتب فرنسى «المسيو جليون دنجلار» تحدث فيها عن نشاط هذا المجلس فيقول عن موقف المعارضة فى المجلس أنه ظهر من بين أعضائه نائبان معارضان أبديا رأيهما بما يخالف وجهة نظر الحكومة فكان جزاؤهما الطرد من المجلس بأمر الخديو باعتبار أنهما عضوان مشاغبان للحكومة وأنهما خطر على الأمن العام!!
ومن المواقف التى لا تنسى لنائب الغربية «أتربى بك أبوالعز» اقتراحه بتعميم المدارس الابتدائية بإنشاء مدرسة فى كل مديرية ووافق الأعضاء على الاقتراح وحبذوه وأحالوا المشروع إلى اللجنة التى درسته جيدا ووافقت عليه بل طالبت بأن يكون التعليم فيها مجانا!
كان ذلك منذ 150 سنة بالتمام والكمال!!