الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المكسب بدون مجهود

المكسب بدون مجهود






لأننا بلد العجائب وبلد الفهلوة واللعب بالثلاث ورقات وأحيانًا اللعب بالخمس ورقات فإن بعض المصريين اتجهوا إلى تجارة تدر عليهم أرباحًا كبيرة وسريعة ودون مجهود فى وقت واحد, وهذه التجارة تستطيع أن تنقل صاحبها بين يوم وليلة من أصحاب الطبقات المتوسطة إلى أصحاب الطبقات الغنية بل الغنية جدًا فبعد أن ارتفع سعر الدولار فى السوق السوداء خلال الفترة الماضية - فى الوقت الذى تمسك فيه البنك المركزى بالاستقرار على الأسعار الرسمية - تكالب العديد من المضاربين على شراء الدولار وتخزينه انتظارًا لقرار سيادى بتخفيض قيمة الجنيه، وتحول العديد من المصريين من متوسطى الدخل لتجار عملة والتى تجلب لهم المكسب السريع دون مجهود، خاصة بعد البيانات التى تصدرها بنوك الاستثمار والتى تؤكد فيها اقتراب ساعة الصفر لتعويم الجنيه.
الأمر أخطر مما يتصور البعض فعدد كبير من المصريين ممن يحلمون بالثراء السريع والخروج من دائرة الفقر بدأوا فى بيع ممتلكاتهم والاتجاه إلى تجارة العملة، وأعرف مواطنين فى الأقاليم وبالتحديد فى القرى والنجوع باعوا كل ما يملكون وبدأوا فى تجارة وتخزين العملة عن طريق شرائها من المصريين المغتربين، ففى الريف حركة بيع وتجارة العملة بعيدًا عن أجهزة الدولة تجارة رائجة، وكل فرد ينظر إلى الذين سبقوه فى الأعوام الماضية واستطاعوا تكوين ثروات ضخمة وانتقلوا للعيش فى القاهرة أو فى عواصم المحافظات وأصبحوا يمتلكون الفيللات والقصور والشاليهات فى الساحل الشمالى وغيره من السواحل، بالإضافة إلى ركوبهم السيارات الفارهة.
 البعض من هؤلاء ترك زراعته وباعها بأرخص الأثمان والبعض الآخر باع كل ما يملك من حطام الدنيا من مزارع حيوانية وأثاث منزل وغيره من الممتلكات وتحول إلى تاجر عملة أو مستودع لتخزين العملة، البعض منهم الآن يضارب فى الدولار وباقى العملات ويشتريه بأسعار مغالى فيها على أمل أن سعر الدولار بعد تعويمه سوف يدر عليه دخلًا أكبر من ذلك بكثير ففى بعض القرى التى كانت لا تعرف الفرق بين الدولار واليورو وصل سعر الدولار بها إلى 15 جنيهًا دون سابقة إنذار أو دون أن يعرف المشترى سببًا لارتفاعه إلى هذا الحد،  كل ما يعرفه أنه سوف يزيد فى أقرب فرصة لأكثر من ذلك بكثير، والمصريون فى الخارج من أبناء تلك القرى والنجوع فهموا اللعبة فبدأوا فى عمليات تهريبه لأهلهم فى هذه القرى للحصول على أكبر مكسب ممكن قد يغنيهم عن التواجد فى الغربة سنوات طويلة.
الغريب فى الأمر أن هؤلاء الصغار الذين يتاجرون فى الدولار فى القرى والنجوع أصبحت لهم علاقة بتجار كبار فى بعض المدن وفى القاهرة لذلك لا نستغرب أبدًا عندما نذهب إلى بعض شركات الصرافة التى مازالت تعمل ونسألها عن بيع أو شراء الدولار أو أى عملة أخرى فترفض البيع أو الشراء بحجة أنه لا يوجد لديها عملة، وفى الحقيقة هى غيرت طريقة بيعها وشرائها إما عن طريق عملائها فى الأقاليم عمومًا وفى القرى خصوصًا أو عن  طريق الناضورجية الذين يقفون أمام مكتب الصرافة ويصطادون الزبائن أثناء دخولهم أو خروجهم ويذهبون بهم إلى مكان مهجور ليبيعوه لهم ويشتروه بأسعار مرتفعة بعد أن يطمئنوا لهذا الشخص.
هؤلاء جميعًا يجنون أرباحًا ومكاسب كبيرة دون مجهود ودون أن يدخل مليم واحد للدولة، بل هم سبب الأزمة الحقيقية بعد أن دخل الدولار الثلاجة بأرقام كبيرة جدًا لدى عدد كبير ممن يأملون فى مكسب كبير حتى لو كان ذلك على حساب الوطن وحتى لو كان ذلك على حساب ترك أعمالهم الحقيقية وتحولهم إلى البطالة، لكن هذه المرة البطالة بدخل مادى يفوق التصور والأجهزة الرقابية مطالبة بتتبع كل هؤلاء وتحويلهم إلى محاكمة سريعة مع تشديد العقوبة التى يمكن ان تصل  إلى السجن المؤبد، لأنهم يضرون بمصالح الوطن التى هى فوق كل اعتبار، وفى الأيام القليلة الماضية تم ضبط عدد من هؤلاء الأشخاص أحدهم فى أسيوط وهو فلاح لا يجيد القراءة أو الكتابة وضبط معه ثلاثة ملايين جنيه ونصف المليون، واعترف بأنه يتاجر بها فى العملة، وبنفس الطريقة تم ضبط ثلاثة آخرين أحدهم فى المنيا واثنين فى سوهاج وكلهم من قرى نائية أبناؤها يعملون فى دول الخليج ويقومون بتحويل مدخراتهم لهؤلاء التجار بعيدًا  عن البنوك وبعيدًا عن أعين الدولة التى هى  مطالبة بوضع قواعد صارمة لوقف هذه المهزلة التى لا توجد فى دولة فى العالم إلا فى مصر مع ضرورة تشديد العقوبات لردع مثل هؤلاء الذين يعبثون بالوطن وبأقوات الغلابة.