السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المرأة تطالب بحق الغزل!

المرأة تطالب بحق الغزل!






منذ حوالى سبعين عامًا ظهر على صفحات «روزاليوسف» قلم نسائى يكتب لأول مرة فأقام الدنيا ولم يقعدها، كان اسم صاحبة القلم هى «أمنوس» ويبدو أنه اسم مستعار، وكان عنوان مقالها «المرأة تطالب بحق الغزل» ونشرته «روزاليوسف» على صفحة كاملة!
ويبدو أن «روزاليوسف» وقتها تنبأت بما يمكن أن يثيره المقال من سخط وغضب وثورة فكتبت عدة سطور تشرح فيها للقارئ مبررات النشر قائلة: «أمنوس اسم جديد تقدمه روزاليوسف إلى دنيا الأدب والصحافة وقد يجد القراء فى مقالات الآنسة «أمنوس» جرأة لم يتعودوها وثورة جديدة تستغرب من إحدى خريجات الجامعة وقد قال «أوسكار وايلد» ليس هناك كتاب مؤدب وكتاب قليل الأدب، ولكن هناك كتاب جيد وكتاب غير جيد».
ومقال الآنسة «أمنوس» مقال جيد وإن كان مقالا قليل الأدب!!
كتبت الآنسة «أمنوس» ـ وقد حذفت الكثير من سطورها ــ تقول: أيها الرجال إنى أثور عليكم بأى حق تحلون لأنفسكم الحرام وتحرمون علينا الحلال، وبأى حق منحتم أنفسكم الصفاقة والانطلاق والاستبداد وخصصتمونا نحن النساء بالحياد والانكماش والكبت! وبأى حق سننتم لنا تقاليد ترفعكم إلى السماء السابعة وتنزل بنا إلى الأرض السابعة: التقاليد!! كفاكم هذه الأنانية الحمقاء التى ملكت تفكيركم وأحالتكم إلى أبالسة مسلطين علينا، سنحكم هذه التقاليد التى توارثتموها وتوارئتمونا معها منذ بدء التاريخ، لقد سقطت الديكتاتوريات التى قامت على مر الزمن واحدة بعد أخرى، وستسقط هذه الديكتاتورية التى تفرضونها علينا مهما طال زمنها!!
ومضت الآنسة «أمنوس» تقول: «بأى حق تستبيحون قلوبنا تلهبونها أو تحرقونها وتثيرون عاطفتنا أو تخمدونها وتمنعون هذا الحق عنا!! منحتم الرجل الحق فى أن يتقدم منا خاطباً، وفى أن يتغزل بنا ويعاكسنا وحرمتم علينا هذا الحق! لا لسبب عادل بل لأنكم أنانيون، تعتبرون المرأة ملكاً لكم كأنها متاع فى هذه الدنيا، ليس له رأى ولا إرادة ولا كرامة، فجعلتم من المرأة مخلوقاً مغلولاً مقيداً أحاله الكبت شعلة من عاطفة وكتلة من لهب!
إننا نطالب بهذا الحق لأنه أحد مظاهر حقنا فى الحياة والوجود، أريد أن أسير فى الطريق، أغازل وأعابث وأشاكل وأعجب، أريد أن أسير فى الطريق وأقول: يا باشا يا غزال، يا قمر!! وكلها أوصاف تنطبق على الرجل أكثر مما تنطبق على المرأة!
لماذا تتنهد الفتاة فى صمت كلما نظرت إلى رجل جميل، وإذ تمتمت «يا أختى عليه» نالتها صفعة قوية من أمها أو عمتها، أريد أن نتغزل فى الرجال ونشبب بهم! ونقاتل من أجلهم.
لماذا أذوب أنا شوقاً؟ لماذا انتظر وأنا معلقة بين اليأس والرجاء أن يفاتحنى الرجل بحبه ويبادئنى الغزل!! لماذا يكون من نصيب الرجل وحده!! لماذا لا يكون لنا الحق فى أن نشتهى جمالكم فنملأ الدنيا غزلا به!! لماذا لا يكون لمجنون ليلى الحق فى أن تعرف قصائده الخلود، وتحرم قصائدى  هذه اللذة إذا نظمت قصائد حب وغزل فى «زيد» من الناس؟!
لماذا لا يكون لو جناتكم حمرة الخجل ليلذ لنا تعذيبها؟! وسمعة نمرغها فى الوحل؟! وعفاف نعتدى عليه! وحضيض نهوى بكم إليه؟!
لماذا اخترتم لنا صفات العجز والضعف وجعلتم منا جنساً مختلاً يقاوم ثم يسقط ويدافع ثم يغلب ويجاهد لينهزم!!
وتواصل الآنسة «أمنوس» مطالبها فتقول: «إن كل الأمم المحتلة تطالب الآن بالجلاء وبالحرية ونحن نطالب بحرية العاطفة، بالمساواة فى الحقوق بالجلاء عن أصواتنا التى أخمدتموها، لتملأ الصحف والمجلات والدواوين بالغزل فيكم، والمقاهى والبيوت بأصوات القيل ونطالب بالجلاء عن أبصارنا لنجول بها فى متعة الدنيا، الجلاء عن أنفاسنا التى خنقتموها فنبث ما نعانيه من ضيق صامت مكبوت!
نطالب بالجلاء عن أرجلنا التى غللتموها لنجرى ونطارد ونرمى الشباك نرخيها مرة ونشدها مرة أخرى ولنخرج فى كل مرة من الصيد بأحلاه وأغلاه!
كم أريد أن تعانوا ما نعانيه من آلام الانتظار والترقب، ومذلة العار التى تعانيها الخارجة على قوانينكم هذه وقسوة الخوف، خوف الفضيحة والشعور بالجريمة عندما تسرقون الوقت للقاء الحبيب وأنتم تلقون بالأكاذيب لأهاتكم تبررون بها الغياب!! أيها الرجال كفاكم أنانية حطموا هذا الصنم، صنم التقاليد الذى استلب منا الحياة».
انتهى مقال «أمنوس» المنشور سنة 1946، ولم تعش حتى ترى أن ما كانت تحلم به حققته بنات و«أمنوسات» هذه الأيام!