
كمال زاخر
مؤتمر الشباب.. وماذا بعد؟
نأمل أن يكون المؤتمر الوطنى الأول للشباب المنعقد قبل أيام بمدينة شرم الشيخ مدخلاً لحوار جاد وفاعل مع القوى الوطنية، يترجم إلى فعل على الأرض، يرأبً صدعاً مع الشباب «نصف الحاضر وكل المستقبل» بحسب شعار مجلة «صباح الخير» العتيدة، وبحسب الواقع يقفز الشباب إلى ثلاثة ارباع الحاضر، ويحتفظ بكونه كل المستقبل، ومن ثم يصبح التواصل مع الشباب وجوبياً.
وكان من اللافت تأكيد الرئيس أن كل المداخلات والرؤى والأطروحات التى يقدمها الشباب تسجل وتدرس وتحلل لتفعيلها، وهو تأكيد يستوجب من الدوائر المعاونة ترجمته بجدية، حتى لا يتحول المؤتمر إلى رقم فى سلسلة ممتدة من المؤتمرات والفعاليات المثيلة فى سنوات وأنظمة خلت، لنجد انفسنا لم نبارح مكاننا، والتوقف يرشحنا للرجوع إلى الخلف.
وفى سياق طمأنة الشباب كرر الرئيس التزام الحكومة، والدولة، على تيسير اجراءات تأسيس المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، باختزال هذه الإجراءات ليتفرغ الشباب للعمل وإدارة مشاريعهم من اليوم الأول، ويخطو الاقتصاد بهم خطوات واسعة فى طريق التعافى، والخروج من اقتصاد «الريع» إلى اقتصاد الإنتاج والقيمة المضافة، ونقلص الفجوة والعجز التراكمى الذى يعانى منه، وهو ما ينعكس بالضرورة على تفكيك العديد من الأزمات، من البطالة إلى التضخم، ونضع اقدامنا بموضوعية على طريق التنمية الحقيقية.
على أن تيسير الإجراءات يبقى خطوة تتطلب خطوات أخرى لا تقل أهمية ووجوبية، على الأرض، على عدة محاور، حتى يكتب لهذه المشاريع الاستمرار والتوسع، وحتى يتوفر لها القدرة التنافسية سواء فى السوق المحلية أو فى دوائر التصدير ، نوجزها فى:
# المواد الخام ومستلزمات الإنتاج: وهى فى جزء مؤثر منها مستوردة، الأمر الذى يحتم إعادة هيكلة منظومة الجمارك والرسوم المقررة عليها، وبعضها يتوجب إعفاؤه بالكامل من التعريفة الجمركية، فى قراءة متبصرة لفلسفة الجمارك، والغرض منها، لأنها تنتهى إلى تحديد تكلفة المنتج، ودوران عجلة الإنتاج، فى مواجهة المستورد من المنتجات تامة الصنع المنافسة، والتى تتمتع بحماية وفقاً لاتفاقيات التجارة العالمية «الجات»، وفى نفس السياق يأتى دور وزارة الصناعة وهيئات تنمية الصادرات ودعم الصناعات الصغيرة والصندوق الاجتماعى وهيئة الاستثمار، وغيرها من الهيئات ذات الصلة، فى دعم اعادة هيكلة وتحديث الكيانات الصناعية الصغيرة القائمة، بالإحلال والتجديد للمعدات والآلات بها، اتساقاً مع التطور الذى لحق بها، وهو ما ينعكس على الجودة والكمية ويدعم القدرة التنافسية لها.
# الضرائب والرسوم: لم تعد الضرائب «جباية» بل هى واحدة من آليات ضبط حركة الاقتصاد، ولعل تجربة وزير المالية الأسبق، الدكتور يوسف بطرس غالى، تؤكد هذا عندما خفض قيمة الضرائب فتضاعفت الحصيلة، لتصل إلى مليار جنيه وقتها، وجذب قطاع لا يستهان به من اقتصاد السوق الموازى ليدخل تحت مظلة الاقتصاد الرسمى، وإذا كانت المشاريع الكبرى مُنحت عند بداياتها إعفاء ضريبياً لمدة خمس سنوات، فظنى أن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر أولى بهذا الإعفاء، ضمن منظومة رقابية جادة وشفافة ومنضبطة، بما ينعكس ايجاباً على تكلفة المنتج، ومن ثم يعيد الاعتبار له فى السوق المحلية والخارجية.
# قوانين العمل: تمثل العلاقة بين صاحب العمل والعمال واحدة من أهم القضايا التى تؤرق سوق العمل، لتضارب بعض القوانين المنظمة لها، وحاجتها الى مراجعة وضبط، تأسيساً على قراءة صحيحة لتشابكات هذه العلاقة، لتنتهى إلى حفظ حقوق اطرافها، بما يصب فى النهاية فى ضبط دولاب العمل والإنتاج، ويحميهما من التعسف أو التزيد، ويحفز الشباب على العمل وقد اطمأن لقدر مناسب من الاستقرار، ويعيد لصاحب العمل القدرة على ضبط سير العمل وفق القواعد العادلة التى يوفرها القانون. وهو أمر يتجاوز العلاقة المباشرة بينهما، إلى توفير غطاء تأمينى جادً، بما فيه تأمين فترات البطالة، واصابات العمل، تأسياً بخبرات الدول المثيلة فى الدائرة العربية والدولية.
التسويق، محلياً وفى دوائر التصدير: يمثل تسويق المنتجات واحدة من اكبر المشكلات التى تواجه مشاريع الشباب، الصناعية والزراعية، تنتهى بكثير منها إلى التوقف والإغلاق، فهل نفكر جدياً فى تأسيس شركات متخصصة فى التسويق؟، وفق ضوابط وقواعد محددة، تحمى الشباب من الاستغلال، وتوفر للمستهلك المستهدف احتياجاته، وتتجه إلى دوائر التصدير المختلفة، وهذا يتطلب اصدار تشريعات جديدة تنظم هذا الأمر وتحفزه.