الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اللعنة على الأبراج

اللعنة على الأبراج






فى مصر كل شىء مباح دون ضابط أو رابط وكل من يملك المال والسلطة يفعل ما يحلو له خاصة من أصحاب الذمم الخربة والضمائر الغائبة، ففى مصر مجالس محلية لكنها لا تفعل شيئا وفى مصر مهندسو أحياء الغالبية منهم لا يرى ولا يسمع شيئا أيضًا عن المخالفات مقابل حصوله على أموال طائلة، ففى السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة غريبة خاصة فى الأحياء والشوارع القديمة مثل المعادى وفيصل والهرم ومصر القديمة وشبرا وبولاق الدكرور وبولاق أبو العلا وغيرها من الأحياء بقيام أصحاب النفوذ والأموال بهدم الفيللات أو البيوت القديمة التى لا يزيد ارتفاعها على دور أو دورين وإقامة أبراج شاهقة ارتفاعها يزيد على 30 مترا و40 مترا فى أحيان كثيرة، ويبلغ عدد الأدوار فى هذه العمارات بين 11 و16 دورا للعمارة الواحدة فى حين أن الشارع عرضه لا يزيد على 8 أمتار ويتم ذلك فى وضح النهار وأمام الجميع من مهندسى الأحياء ورؤساء الأحياء وأعضاء المجالس المحلية وغيرهم من المسئولين عن الحى أو الشارع أو المحافظة بالمخالفة لجميع القواعد والأعراف الهندسية التى نص عليها القانون بألا يتجاوز ارتفاع أى مبنى مرة ونصف عرض الشارع لدرجة أن قاطنى هذه الشقق يستطيع أن يمد يده لجاره الذى يقطن فى المبنى الذى أمامه ويسلم عليه، وكل منهم يكشف عورة الآخر والغريب أن أغلب أصحاب هذه المبانى استطاع الحصول على ترخيص مبان عن الأدوار القانونية فقط، لكنهم يتجاوزونها بالمخالفة للقانون ولا يوجد من يستطيع إيقاف بناء الأدوار المخالفة أو إزالتها.
وإذا قامت حملة من الحى بإزالة الأدوار المخالفة فهى شكلية وتقوم بعمل ثقوب فى الأسقف فقط ثم تركها فيعود المالك إلى ترميمها وإعادتها كما كانت وبعد ذلك يقوم ببيعها لأشخاص يجيدون التعامل مع هذه المخالفات لعلمهم أن الحى إذا حضر لإزالتها ووجد أسرة مقيمة فيها يتركها لحال سبيلها، لكن الأخطر والأهم من ذلك هو المستأجر أو المالك الجديد الذى يتعاقد على هذه الشقق المخالفة وهو يعلم أنه لا يوجد لها ترخيص وأنها خطر عليه وعلى أسرته، ومع ذلك يلهث لشرائها لأنها ستكون أقل ثمنا من مثيلتها فى الأدوار المرخصة فى نفس العمارة بنسبة تصل إلى عشرة فى المائة، والمالك بعد أن ينتهى من بناء البرج ويقوم ببيع كل أدواره يتركه للقيام بعملية أخرى بنفس الطريقة لدرجة أن هناك مافيا تسمى مافيا هدم الفيلات والعقارات القديمة وتحويلها لأبراج.
كل هذا يحدث بعيدا عن سيف القانون الذى يجب أن يكون حادا على هؤلاء لما يمثله هذا البناء من مخالفة صريحة لنصوص القانون وخطورة حقيقية على حياة المواطن لأن أغلب هذه المبانى مهدد بالانهيار فى أى وقت، وإذا حدث - لا قدر الله - حريق فى أى من هذه المبانى فلا تستطيع سيارات الإطفاء الوصول إليها مما يهدد حيا كاملا أو شارعا كاملا بالتدمير كما حدث فى الفجالة فى الأيام الأخيرة.
البناء يتم بطريقة غريبة فأصحاب هذه المبانى عندما يشرعون فى بنائها يتفقون مع مهندسى الأحياء على بنائها ليلا بعد الساعة العاشرة مساء ويظل العمل حتى السادسة صباحا مصاحبا ضجيجا فلا يستطيع أحد من أهل المنطقة طوال الليل أن ينام من أصوات الأوناش المرتفعة وأصوات تركيب الخشب والحديد وسيارات الرمل والزلط ومن قبلها آلات الحفر وإذا قام أحد بالاتصال بالشرطة فهى تحرر محضر مخالفة، وبعد أن تترك المكان بدقائق معدودة يعود العمل كما كان وكأن شيئا لم يكن.
فى الشهور الماضية وتحديدا فى رمضان قبل الماضى الذى يعد فرصة لأصحاب مثل هذه المافيا للعمل ليلا بعد صلاة المغرب وحتى صلاة الفجر، وفى إحدى عمارات فيصل وعندما وصلوا للدور الحادى عشر فى شارع لا يزيد عرضه على 8 أمتار، وأثناء رفع الونش لقوالب الطوب للدور الحادى عشر وفى تمام الساعة الثانية مساء كان أحد الأطفال الذى لا يتعدى عمره 9 سنوات قد ذهب لشراء زبادى له ولوالده الرجل الفقير الذى لا يمتلك من الدنيا غير غرفة صغيرة يقيم فيها، وأثناء عودة الطفل ومعه الزبادى سقط عليه قالب طوب فارداه قتيلا فى الحال فما كان من أصحاب هذا العقار إلا أنهم هربوا وتركوا المكان لعدة أيام وبعد تحرير محضر ودفن الجثة بدأوا يساومون والده بإعطائه شقة داخل العمارة أو إعطائه ثمنها كدية لولده، لكن الوالد رفض وأراد حق ابنه فلم يحصل عليه حتى الآن رغم مرور عام ونصف العام على الحادث وتم الانتهاء من العمارة وبيعها بالكامل وأصبح والد الطفل يضرب كفا بكف ولا يجد من يعطيه حقه.
هؤلاء تجب محاسبتهم مع مهندسى الأحياء بمحاكمات سريعة حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأن كوارث البناء المخالف وعواقبه كبيرة وكوارثه مميتة ولن ينفع الندم أبدا ويومها سوف نردد المقولة الشهيرة فى فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج المبدع يوسف شاهين: «اللعنة على الأبراج» عندما اخترع الصليبيون أبراجاً لا تخترقها السهام وكاد صلاح الدين أن يهزم لولا قيام أحد أبطاله باختراع مادة توضع فى السهم فتحرق الأبراج وتنسفها ونحن نريد أن ننسف هذه الأبراج المخالفة قبل أن تصيب اللعنة الجميع.