السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
معركة إحسان وأنف وثلاثة عيون!

معركة إحسان وأنف وثلاثة عيون!






لم يدهشنى موقف النائب المحترم الذى اكتشف فجأة وبعد وصوله إلى مقعد «مجلس النواب» أن ما يكتبه «نجيب محفوظ» ليس أدبًا بل هو «قلة أدب».
هذا النائب الذى يمثل الأمة سبقه نائب آخر فى مجلس الأمة - منتصف ستينيات القرن الماضى - اسمه «عبد الصمد محمد عبد الصمد» عندما تقدم بطلب واستجواب إلى رئيس المجلس وكان وقتها المرحوم «أنور السادات» يتهم فيه رواية احسان عبد القدوس التى كان ينشرها مسلسلة فى مجلة «روزاليوسف» وهى رواية أنف وثلاثة عيون بأنها تتضمن إثارة للشباب ومساسًا بالآداب العامة، وطالب بوقف نشرها فورًا ولا تصدر فى كتاب أو تمثل فى السينما أو الإذاعة!
حدث ذلك فى جلسة مجلس النواب بتاريخ الثامن من يونيو سنة 1964 وتحدث د. عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام عن علاقة الحكومة بالصحافة وأضاف مؤكدًا «اعتزاز الحكومة بسؤال العضو لأنه دليل واضح على اهتمام مجلسكم الموقر بتكوين الرأى العام المستنير وهو ما تحرص عليه الحكومة تمام الحرص».
الأغرب من ذلك أن سيادة النائب - وكان يجلس فى آخر صفوف القاعة - وقف ليعقب على كلام «د. حاتم» فقال:
اننى أول من يصفق فى هذا المجلس للسيد نائب رئيس مجلس الوزراء عندما يتحدث عن حرية الرأى وحرية الكلمة، ولكنها لا تعنى حرية الإثارة وقد تقدمت بسؤالى بعد ضجيج وانفعال فكرى خوفًا على الشباب والمراهقين!
وأخذ النائب يقرأ بعض ما ورد فى رواية أنف وثلاثة عيون وسط ضحك الأعضاء!! وتعليقاتهم ثم طالب مجلس إدارة «روزاليوسف» بوقف نشر القصة!
وبعد عامين من هذه المعركة يكتب د. طه حسين على صفحات «روزاليوسف» معاتبًا احسان بأنه لم يعد يرسل له كتبه!! وأمسك احسان بالورقة والقلم وكتب خطابًا - لم ينشر - إلى طه حسين وكان بمثابة وثيقة أدبية وسياسية وفكرية بالغة الخطورة والأهمية ويعود الفضل فى اكتشاف هذا الخطاب إلى الصديق والصحفى الكبير الأستاذ «إبراهيم عبد العزيز» الذى نشره فى كتابه «رسائل طه حسين».
كتب الأستاذ «احسان» لعميد الأدب العربى «طه حسين» يقول: قرأت فى روزاليوسف كلمة عتاب وجهتها لى لأننى لا أرسل لك كتبى وهو عتاب «شرفنى وأفرحني» والواقع انه لم يصدر لى كتاب جديد منذ أكثر من عامين وقصتى الأخيرة التى تحمل اسم «أنف وثلاثة عيون» رفضت الدولة التصريح بنشرها فى كتاب إلا بعد أن أحذف منها وأعدل فيها، ورفضت أنا الحذف والتعديل، وبالتالى لم ينشر الكتاب!
ثم يشرح احسان فى خطابه خبايا ما جرى بقوله:
فقدت ثقتى فى نفسى إلى حد اننى لم أعد مقتنعًا بأن لى انتاجًا أدبيًا يستحق أن يقرأه استاذى الكبير طه حسين ووجدت نفسى صريع أزمة نفسية قاسية ابعدتنى عن كل الناس وكل من أحبهم، واكتشفت فى نفسى أننى إنسان ضعيف غاية الضعف، أحمل ضعفًا فى داخلى  وأحاول أن أخفيه تحت ستار من العناد الكاذب والغرور المفتعل، ولم أكن طول عمرى استطيع أن أهرب من هذا الاحساس بالضعف  إلا عندما أمسك بقلمى وأكتب، ولكن فى السنتين الأخيرتين أصبحت هذه المعاناة أكبر من أن تحتمل  وأكبر من أن اتغلب عليها فاستسلمت لضعفى ولم أكتب خلال هذه الفترة سوى عدد قليل من القصص القصيرة!
ويمضى الأستاذ احسان فيتساءل قائلًا: لماذا؟! ماذا حدث لى؟! ربما كانت هذه الحملة المجهولة الظالمة التى وجهت ضدى وأنا أنشر قصة «أنف وثلاثة عيون»  مسلسلة فى مجلة «روزاليوسف» ولم تكن حملة أدبية ولم يقم بها أدباء ولا حتى أنصاف أدباء انما قام بها بعض كتاب الصحف المشوهين، وفى وقت كانت حالة الصحافة تبيح فيه لمثل هذه الأقلام أن تكتب به ما تشاء، وكانت الحملة - كما هى العادة - تقوم على اتهامى بالإثارة الجنسية.  
واحترت ماذا أفعل إزاءها؟! فالذين يكتبون ليسوا من الشخصيات المحترمة الذين يستحقون الرد عليها!! وما يكتبونه ليس مناقشة موضوعية تستحق أن اشترك فيها، إنما هى حملة موجهة إلى شخصى، فلم أجد إلا أن أسكت!  ولكن هذا السكوت اطمع فى صغار الكتاب فاشتدت الحملة!! ثم أحاطتها ظروف كثيرة انتهت بأن قدم أحد أعضاء مجلس الأمة سؤالًا عن القصة إلى الوزير المختص ولم يكن حضرة النائب أديباً بل انه اعترف لى بأنه لم يقرأ القصة أصلًا ولكن قدمت له بعض فقرات منها «أنه نائب كان يسعى لنشر اسمه فى الصحف فقط»!!
وللمعركة تفاصيل أخرى أكثر أهمية!