السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عبدالناصر ينقذ إحسان عبدالقدوس!

عبدالناصر ينقذ إحسان عبدالقدوس!






اشتدت الحملة الصحفية على الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» بعد الاستجواب الذى تقدم به عضو البرلمان «عبدالصمد محمد عبدالصمد»، واتهم رواية إحسان «أنف وثلاثة عيون» بالمساس بالآداب العامة وطالب بوقف نشرها فى مجلة «روزاليوسف» فورا وعدم تحويلها مستقبلا إلى عمل إذاعى أو سينمائى!
جرى ذلك كله صيف عام 1964 وقرر «إحسان» اللجوء إلى لجنة القصة التابعة للمجلس الأعلى للفنون والآداب وهنا جاءت الصدمة التى لم يتوقعها الأستاذ إحسان عبدالقدوس، ورواها فى خطاب مهم بعث به إلى «د.طه حسين» عميد الأدب العربى حيث كتب يقول له:
«ذهبت إلى الأستاذ «توفيق الحكيم» وهو مجتمع بأعضاء لجنة القصة وعرضت عليه الموضوع كله وقلت له: إن القضية قضية أدبية، وأن لجنه القصة هى صاحبة الحق فى أن تبدى رأيها فى هذا الاتجاه الأدبى فإذا وجدت إنه اتجاه ليس من الأدب فى شيء أو أن نشره يعارض المصلحة العامة توقفت عن السير فيه رغم إيمانى به! لأن الرأى هنا سيكون رأى لجنة من المتخصصين ثم أنى لا أكتب فى هذا الاتجاه فحسب ولكن معظم قصصى بعيدة كل البعد عن هذا الاتجاه، ورغم هذا فلو كان هذا الاتجاه صالحا للنشر فإن من حقى أن أسير فيه.. و...و
تكلمت كثيرا وتفضل أعضاء اللجنة والأستاذ «توفيق الحكيم» وأيدوا هذا الاتجاه بل وهنأونى عليه فى حماس كبير فطلبت منهم أن يسجلوا رأيهم هذا فى محضر الجلسة لا للنشر فى الصحف، ولكن فقط لألجأ إليه فى حالة تقديمى للمحاكمة! إذا حدث وقدمت!! وهنا تراجع «توفيق الحكيم» وفهمت منه أنه لا يستطيع أن يسجل هذا الرأى الأدبى المحض، إلا بعد استشارة الأستاذ «يوسف السباعى»، وكان يقصد استشارة الحكومة، وخرجت من اجتماع اللجنة لست غاضبا ولكن يائسا وأرسلت خطابا إلى الأستاذ «توفيق الحكيم»، اعتذر له عن التجائى للجنة!!
ويمضى «إحسان» فيقول فى رسالة لطه حسين!!
«ولعل سيادتك تذكر أن مثل هذه الضجة أثيرت عندما كتبت قصة «لا أنام» والتجأت يومها إليك عندما كنت مجتمعا بأعضاء نادى القصة وتفضلت أيامها وأيدت موقفى وشجعتنى عليه، وكان التأييد الأدبى أيامها يكفى، ولكن فى هذه الحملة الأخيرة لم يكن التأييد الأدبى يكفى لأن الحملة خرجت عن النشر فى الصحف إلى العرض فى ساحة مجلس الأمة!!
ثم حدث فى وسط هذه الأزمة أن أعفيت من منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة «روزاليوسف» ورغم أن السيد الرئيس أرسل إلىَّ متفضلا من يقول لى إن إعفائى ليس متعلقا بشخصى ولا يمس ثقته بى إنما هو متعلق بظروف بعيدة عنه كل البعد، إلا أننى ظللت مقتنعا بأن موقفى من الاتجاهات الأدبية كان له دخل فى إعفائى، ولم يكن إعفائى فى حد ذاته يهمنى!! فقد كنت أسعى منذ وقت طويل لإعفاء نفسى من كل المسئوليات الإدارية، ولكن كان كل ما يهمنى هو ألا يكون لإنتاجى الأدبى دخل فى هذا الإعفاء!!
ثم تطوع بعض الناس اندفاعا وراء شهوة الظهور على صفحات الصحف إلى تقديم بلاغ ضدى فى النيابة للتحقيق فى قصة كتبتها وحققت معى النيابة فعلا ثم أحيل التحقيق إلى نيابة الآداب وهنا لم أعقل، لم أعقل أن يحاسب أديب فى عصرنا هذا أمام نيابة الآداب كالعاهرات والقوادين واتصلت بالأستاذ «يوسف السباعى» وقلت له «أنى لو ذهبت إلى نيابة الآداب فسيذهب بعدى كل الأدباء!! وتفضل «يوسف» واتصل برئاسة الجمهورية التى أمرت فى الحال بوقف تحويل القضية إلى نيابة الآداب ثم حفظتها النيابة العامة.
كل هذا دون أن تناقش القضية مناقشة موضوعية من أساسها لم تناقش الاتجاهات الأدبية! ولا حرية الأديب!! ولا حق الأديب فى التعبير عن الإنسان داخل مجتمعه!! لا مناقشة إطلاقا!!
وأحسست بنفسى وحيدا وحيدا بعيدًا عن الحياة كلها.. و..و
أستاذى أخشى أن تظن أنى أخضر العود أشكو كل هذه الشكوى من حملة أثيرت على فى الوقت الذى تعرضت فيه أنت إلى حملات ربما كانت أشد وأقسى!! لا يا أستاذى لقد تعرضت أنا من قبل لحملات أشد، منذ بدأت أكتب فى الصحف وأنا أتحمل أكبر نصيب من الحملات الضارة، حملات سياسية وحملات أدبية، ولكن كل هذه الحملات لم تكن تؤثر فى مثلما أثرت الحملة الأخيرة، ذلك لأنى لم أشعر أبدا - خصوصا قبل الثورة - بأنى أقف وحدى كان الناس ينقسمون إزاء كل حملة، ناس يقفون معى وناس يقفون ضدى وكان الناس الذين يقفون معى يكفوننى لشد أذرى على الناس الذين يقفون ضد، ولكن الدنيا تغيرت!! الناس الآن أقصد الذين يتكلمون بصوت عال لا يقولون رأيهم ولكنهم يسألون عن رأى الحكومة ولا يحددون موقفهم من القضايا العامة أو الخاصة ولكنهم يبحثون عن موقف الحكومة، فإذا لم يكن للحكومة رأى ولا موقف أصبح لا رأى لهم ولا موقف!!
وهذا هو ما أشاع اليأس فى نفسى!!
انتهت رسالة إحسان المؤرخة بتاريخ 4 مارس 1964 ولا أظن أن الزمن تغير كثيرا عما كان قبل نصف قرن!!