الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ما بعد حلب

ما بعد حلب






على أنقاض مدينة حلب المدمرة والتى كانت من أجمل بلاد العالم طوال تاريخها توشك الأزمة السورية فى الوقت الراهن على دخول مرحلة جديدة بعد أن استطاعت قوات النظام السورى والقوات الداعمة له من استعادة ما يقرب من 95٪ من حلب الشرقية التى كانت معقلا للمعارضة المسلحة منذ عام 2012، وذلك بعد هجوم مكثف ومستمر بدأ منذ ما يقرب من شهر بعد تدخل القوات الجوية الروسية بقوة ليس لها مثيل ما جعل الأوضاع فى حلب تتدهور بشكل كبير لدرجة أن المراقبين لما يدور فى سوريا طالبوا بوضع خطة فورية تقوم على وقف إطلاق النيران وتقديم مساعدات إنسانية لأهل حلب المحاصرين وإخراج المعارضة والمدنيين، وقد وصف المراقبون الدوليون ما يدور فى حلب أنها أسوأ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية، وأن ما يحدث فى سوريا خلف وراءه أكثر من ربع مليون شخص قتلوا فى هذه الحرب التى لا ذنب لهم فيها طوال الأربع سنوات، وشرد نحو أكثر من نصف سكان الدولة، كما خلقت أسوأ أزمة مهاجرين فى التاريخ، أيضا ويرى البعض أنه عندما تتم السيطرة على حلب فإن 90٪ من الأزمة السورية سوف تحل ولكن الأمر أكثر تعقيداً خاصة أن المعارضة السورية ظلت لما يقرب من 4 سنوات كاملة تسيطر على حلب سيطرة كاملة، وكان الأمر يبدو أنه من المستحيل الخروج منها حتى دخلت روسيا بكل قوتها لدعم النظام السورى ومعها إيران وحليفها حزب الله.
لكن الأهم من كل ذلك ما يعانيه الشعب السورى سواء انتصرت المعارضة أو انتصر النظام القائم فإن مدناً كاملة دمرت خاصة فى حلب القديمة التى اشتهرت بأزقتها الضيقة ومنازلها الكبيرة وأسواقها المغطاة وهى أحد مواقع التراث العالمى فى قائمة اليونسكو منذ عام 1986.
البعض يصف الحرب فى حلب الآن بأنها حرب سنية - شيعية خاصة بعد قيام عدد من الجنود السوريين والإيرانيين المشاركين فى تحرير حلب برفع رايات الشيعة فى الأماكن المحررة، وقيام رجال الدين الشيعة فى إيران وفى العراق وفى لبنان بالدعوة لتحرير حلب وأماكنها المقدسة لدى الشيعة من أيدى الإرهابيين السنة.
لذلك فالأمر فى سوريا معقد للغاية والضحية فى النهاية هو الشعب السورى الذى شرد وقتل ويُتمّ أطفاله ورملت نساؤه، فى حرب دائرة الآن على أرض لا ذنب له فيها فالجماعات الإرهابية سواء داعش أو غيرها من الجماعات تضم ما يقرب من مائة جنسية من جنسيات العالم يشتركون فى هذه الحرب بدعوى الجهاد ضد نظام الاسد الكافر، ونظام الأسد يشترك معه بجانب الجيش السورى القوات الروسية وقوات من إيران وحزب الله اللبنانى ومتطوعون شيعة من العراق وأفغانستان وغيرهم من الشيعة فى العالم وكل طرف من الأطراف يدعى أنه يحرر سوريا من الإرهاب، والضحية كما قلنا هو الشعب السورى الذى لم يجد ملاذا آمنا غير الهجرة خارج البلاد.
الوضع فى سوريا يؤكد أن الأمور أكثر تعقيداً ونحتاج إلى حل سياسى وليس عسكريا فقط لأن الأمور كل يوم تزداد تعقيداً وهى تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية من أجل وقف شلالات الدماء التى تنزف كل يوم فى ربوع سوريا، فحلب لن تكون المعركة الأخيرة فهناك معارك أشد وطأة من حلب فى مدينة تدمر ومدينة الرقة المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش الإرهابى والذى يتحصن بهما ويستعد للانطلاق منهما إلى باقى أرجاء سوريا.
ندعو الله أن يحفظ أهل سوريا وأن يحقن دماءهم بعد أن أصبح شعباً بلا مأوى وبلا دولة والعالم كله يقف متفرجا منذ سنوات لما يحدث فى هدم البلد العربى الشقيق.