السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف السباعى وعصابة الإرهاب الأدبى!

يوسف السباعى وعصابة الإرهاب الأدبى!






«الوسواس الخناس» اسم واحدة من أجمل وأمتع المجموعات القصصية القصيرة للأديب الراحل الكبير «يوسف السباعى» - وزير الثقافة بعد ذلك - المجموعة صدرت فى سلسلة «الكتاب الذهبى» الذى أصدرته السيدة «روزاليوسف» عام 1953، وكان باكورة إصداره هو كتابها البديع «ذكريات»!
غلاف الكتاب لوحة بالغة الروعة للفنان الكبير «جمال كامل» وكذلك الرسوم الداخلية المصاحبة لكل قصة من قصص الكتاب وعددها ستة عشر قصة، وعن هذه القصص يقول «إنها صور طبق الأصل».
ووقفت مندهشا ومعجبا أمام مقدمة المجموعة التى يقول فيها الأستاذ «يوسف السباعى» بالحرف الواحد:
«هذه القصص أخذتها من الناس.. صور طبق الأصل لهذا وذاك لا أدعى لنفسى فيها حقا ولا فضلا.. ولا أحرم على أحد أن ينقل منها أو يقتبس - لو وجد فيها ما يستحق النقل والاقتباس - وكيف أحرم على الناس ما أخذته من الناس؟!
أأستطيع أن أدعى لنفسى حقا فى «إمام العك» و«خال علام» وهى مخلوقات حية تسعى بيننا؟! أم يكفى أن أضع اسمى عليها، كأنى شاركت فى صنعها حتى أحاول أن ادعى لنفسى عليها حقوقا محفوظة!
حرام والله.. إنى أحس من هذه القصص بمنتهى الخجل، فلو استطاعت النطق لصاحت بي: أيها المؤلف المدعى رفقا.. ما أنت إلا غبى.. مغرور.. محتال.. غبى كغيرك من البشر.. هيألك الغرور إنك أفضل من سواك طينة وأطيب معدنا.. فجلست ترقب وتكتب، وسولت لك نفسك المحتالة أن تبيع الناس ما كتبت عنهم، فتنال منهم النقود وربما الإعجاب!
إنها على حق.. إنى خجل ولولا يقينى بأنى لست المحتال الوحيد فى هذا البلد، لما أقدمت على نشرها».
هذه سطور مهمة كتبها يوسف السباعى فى فبراير 1956- العدد رقم 45 من الكتاب الذهبى.. وتأملوا دلالة عبارته الأخيرة، ولم يكتف «يوسف السباعى» بذلك، بل إنه يعود ليكتب بضعة سطور كمقدمة لقصة «فى ميدان الفوضى» يقول فيها:
«قبل أن أبدأ السرد أقدم اعتذارى إلى- بطل القصة- عمى وحماى «طه السباعى باشا» لأنى لم أستأذنه فى النشر راجيا إياه ألا يصدر بيانا يكذبنى فيه.. لسبب بسيط.. هو أن الناس تعلم تماما إنه ليس هناك أكذب فى هذا البلد من بيانات التكذيب!»
وبالإضافة للقصص البديعة فقد كتب يوسف السباعى مقالا مهما على صفحتين تحت عنوان «عصابة الإرهاب.. فى حقل الأدب» وكأنه يكتب عن قضية مثارة الآن وليس قبل ستين سنة فيقول:
أنا حائر فى هذه الجماعة المتساندة المتشابكة من بعض الكتاب والنقاد الجدد.. لست أدرى ماذا يريدون.. وقد حاولت أن أفترض عدة فروض لهذا الشىء الذى يريدونه، وقرنته بالوسائل التى يتبعونها فوجدتها لا يمكن أن تؤدى إلى أى فرض ما أمكننى افتراضه!
ولقد بدأت أول افتراضاتى بالتسليم بأن غرضهم فعلا هو ذلك الشىء الذى يجاهرون به وهو أن يكون الأدب أدبا هادفا فى سبيل الحياة وفى سبيل خدمة الإنسان؟! أليس هذا هو جوهر ما ينادون به؟! ما هى وسائلهم لتحقيق هذا؟!
لقد كان أول ما فعلوا.. هو أن أمسكوا بكوم من الحجارة وبدأوا يقذفون به الكتاب الذين يكتبون فعلا والذين وهبهم الله القدرة على أن ينفذوا إلى نفوس الكثرة المستهلكة للأدب، وهى فيما أعتقد الهدف الرئيسى للكتابة أو الحقل الذى يبذر فيه الكتاب بذور أدبهم ويمارسون فيه إنتاجهم وبغيرهم يصبح الكاتب كالهاذى يحدث نفسه!
هكذا بدأت الجماعة عملها.. عملية قذف بالحجارة من خارج حقل الأدب وصياح بأن هؤلاء الزراع وأجدادهم الذين أمضوا حياتهم فى الكد والغرس والإثبات وقد أفسدوا الحقل ولم ينبتوا سوى الشوك والحنظل!
والحقل واسع الإرجاء مترامى الأطراف، لم يدخل أحدهم فيه ليغرس وينبت ويرى المزراعين الجهلة كيف يكون الزرع الذى يشبع من جوع ويكسى من عُرى ويروى من ظمأ! بل لم يدخلوا ليفحصوا هذا الشوك، والحنظل الذى أفنى المزارع عمره فى زرعه، وأفسدوا به - على حد قولهم - غيط الأدب!
وللمقال بقية وتفاصيل أخرى!