السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف السباعى.. الكلمة والرصاص!

يوسف السباعى.. الكلمة والرصاص!






«عصابة الإرهاب فى حقل الأدب» هو عنوان مقال للأديب الكبير «يوسف السباعى» الذى نشره مع مجموعته القصصية «الوسواس الخناس» التى صدرت فى فبراير سنة 1956 ضمن سلسلة الكتاب الذهبى - بالاشتراك مع نادى القصة - الذى صدر شهريا عن مؤسسة روزاليوسف!
كانت دهشة يوسف السباعى من تلك الشلة أو العصابة التى احترفت قذف الآخرين بالطوب والحجارة، خاصة لكل من يمسك ورقة وقلما ويبدع فى مجاله.
وربما استوحى يوسف السباعى فكرة مقاله من سطور شهيرة وعميقة لعميد الأدب العربى د. طه حسين فى مقدمة أحد كتبه، يقول فيها:
«الذين لا يعملون يؤذى نفوسهم أن يعمل الناس».
ولا تزال عبارة د. طه حسين صحيحة تماما، وإذا لم تصدقنى اخطف رجلك واذهب إلى «فيس بوك»، حيث الهجوم والسخرية من كل عمل وإبداع وإنجاز، وإذا بحثت عن إنجاز واحد يتيم لهؤلاء الهجامين والساخرين فلن تجد شيئا!
وعن هؤلاء وأمثالهم الذين لا يعملون أو ينتجون أو يبدعون لكنهم مستاؤون وساخطون على كل من يعمل ويبدع يقول يوسف السباعى:
«اكتفوا بالرجم.. الرجم بالحجارة.. وبالغيب ولو عنوا بالفحص لأدركوا تجنيهم.. ولوجدوا ببساطة الكثير من هذا الشىء الذى يريدونه هم.. ولاستطاعوا إذا كانت نيتهم فعلا خالصة فى هذا العمل أن يلتقطوه.. ويشيدوا.. ويبينوا صفاته ويحاولوا تتميمه والسير به فى طريق هدفهم المرسوم»!
بل وحتى إذا افترضنا.. إن كل من سبقهم لم ينتج كده سوى الشوك.. فلم يكن أقل من تقدير الكد.. والكدح.. ثم التقاط الرسالة وإتمامها.. فى جد وكد للوصول إلى الهدف الذى يريدونه!
ويتساءل الأستاذ «يوسف السباعى».. بعد ذلك:
أليست تلك هى وسيلة الشخص العاقل البناء الذى يريد أن يصل إلى شىء لم يستطع بقوة أن يصل إليه!
ولكنهم لم يفعلوا هذا.. بل استمروا فى قذف الحجارة والتصايح.. وجعلوا من أنفسهم عصابة إرهاب دون أن يجسر أحدهم على أن يقترب من الحقل.
فلما اقتربوا منه.. اقتربوا فى حلقة متشابكة متساندة، لا يكاد يتوسطها أحدهم حتى يساندوه بالتهليل والتكبير والتمجيد ويقسم كل منهم أنه قد أتى بما لم يستطعه الأوائل وأن نبته لم يخرج له مثيل من قبل فى حقول الغابرين من زارعى الشوك والحنظل!
وهم يقبعون فى رقتهم المحدودة ودائرتهم المفرغة ينتجون الشهد ويأكلونه.. وزارعو الشوك والحنظل منتشرون فى الحقل.. ينتجون الشوك ويطعمونه للناس.. والناس- فيما يبدو- لا يحبون إلا الشوك!
إنهم يخدعون أنفسهم.. ويضللونها حتى عن هذا السبيل الذى قيدوا أنفسهم به.. لأنهم لا يسيرون خطوة فى سبيل هدفهم لسبب واحد هو أنهم لا يستطيعون تخطى الجدار.. للنفاذ إلى الجمهور المستهلك، أو إلى الحقل الواسع الذى يمكن أن ينشروا فيه بذورهم!
والذين استطاعوا منهم أن يتخطوا الجدار.. إلى الحقل الحر.. ويخرجون عن الدائرة الضيقة سيصبحون من أولئك الكادحين الذين يتممون رسالة الأدب ويضيفون حلقة جديدة فى سلسلته المتدفقة فى رحاب المستقبل الأدبى.. ولشد ما أخشى أن يصبحوا فى نظر العصابة من زراع الشوك والحنظل».
هكذا كان يوسف السباعى فارسا سلاحه الكلمة والقلم، ولم يخطر على باله أبدا أن خصومه سوف يحاربونه برصاص حقيقى لا بالكلمة، حدث هذا يوم 17 فبراير سنة 1978 وكان يوسف السباعى وقتها قد وصل إلى «قبرص» لحضور مؤتمر لنصرة القضية الفلسطينية بوصفه وزير الثقافة، وفى اليوم التالى مباشرة قام بعض من جماعة «أبو نضال» الفلسطينية باغتياله.
لقد دفع «يوسف السباعي» حياته بأيد فلسطينية وهو الذى كتب مئات المقالات دفاعا عن فلسطين والقضية الفلسطينية!
رحم الله يوسف السباعى إنسانا وأديبا ومثقفا كبيرا!