السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» ومعركة الجزار مع حماته!

«روزاليوسف» ومعركة الجزار مع حماته!






قبل ثمانين عاما كانت روزاليوسف ثمنها عشرة مليمات أى قرش صاغ واحد، أى أن الجنيه الواحد كان يشترى مائة نسخة من العدد الواحد!
وكانت معظم المجلات تباع بنفس السعر مثل المصور وآخر ساعة وغيرها، لكن المجلات كانت تتسابق فيما بينها لجذب أكبر عدد من القراء بأكثر من طريقة! منها الاشتراكات أى دفع ثمن المجلة عن عام أو نصف عام مقدما حتى يضمن القارئ وصول نسخته إليه حتى باب بيته - وهو ما يحدث حتى الآن!
كان مسئول المجلة أو المحصل أو المندوب يلف بنفسه على فئات المجتمع لإقناعهم بالاشتراك فى المجلة، لكن ما حدث مع «روزاليوسف» شىء يفوق الوصف والخيال ولم يخطر على بال أحد!
كانت روزاليوسف قد أعلنت فى صيف عام 1937 عن اشتراكات مخفضة لتسهل لقرائها الذين يقيمون فى القرى الصغيرة اقتناء أعداد المجلة وكانت قيمة الاشتراك لشهرين ونصف نحو عشرة قروش، وتصادف وقتها أن نجح مندوب روزاليوسف أن يقنع أحد كبار الجزارين المعلم «فلان» أن يشترك فى المجلة! ثم حدث ما لم يخطر على البال، لكنه روى ما حدث فى مقال طريف عنوانه «من تقاليع المهنة: المعلم وحماة المعلم» قال فيه:
«ذات يوم كنت أجلس إلى مكتبى والحر يأخذ بخناقى وإذا بالفراش يستأذن دخول المعلم ودخل وهو يتهاوى فى سيره يهز بيمينه عصا لو وضعت فى كفة ووضع العبد لله فى كفة لرجحت العصا، ورحبت المعلم - وهل كان يسعنى أن أفعل غير ذلك - وجلس المعلم وقال بصوت رنان بعد أن ضرب الأرض بعصاه: ازاى حال المجلة؟!
ودهشت لهذا السؤال وأجبت وأنا ابتسم: الحمد لله المجلة كويسة!
وكأنما أدرك أننى دهشت لسؤاله فقال ليزيل دهشتي: بقى محسوبك «مشترك» فى المجلة!
فلم يسعنى إلا أن أكبر فيه العناية بالعلم والأدب والفن وقلت: أهلا وسهلا! نجيب قهوة؟! فقال: قهوة على ايه هوه أنا غريب أنا بقولك مشترك، واللا يعنى «الوصل ده مش مالى عينك»! قال هذا وأبرز إيصالا تدل محتوياته على أنه صحيح دفع عشرة قروش صاغ مرة واحدة!
وقلت وأنا أسأل الله أن ينهى هذه المقابلة على خير: لازم خدمة يا معلم! فقال طبعا بقى أنا النهادرة اتخانقت مع حماتى!
وبذلت جهدا شديدا فى مغالبة الضحك إذ ما الذى يهمنى إذ تشاجر أحد القراء أو المشتركين مع حماته أو غير حماته من أهل بيته العامر، ولكنى إزاء «عصاية المعلم» اضطررت أن أبدى الأسف واتظاهر بالاهتمام الشديد، فعاد المعلم يقول: وعايز بقى مجلتكم دى تشتم حماتى وتبهدلها عشان تعرف مقامى فى البلد! عاوزك ترسمها لى على «وش المجلة» زى ما بترسموا فلان باشا!
غالبت ضحكى وقلت له: ولكن غلاف المجلة مخصص للصور السياسية! فطوح بيده فى استهتار وقال: «طيب وهى حماتى ماهى سياسية؟! دى تدوخ بلد! إذا كانت دوختنى أنا - وأنت عارف بقى أبقى مين؟! تقول لى ماهياش سياسة!
ثم تحمس المعلم وقال محتدا: «بالك حماتى دى والنبى لو سلطوها على الإنجليز كانت تطفشهم فى خمس دقايق»!
فصمت متأسفا لعدم اهتداء الزعماء إلى «حماة» المعلم إذا لو اهتدوا إليها لكفت البلاد شر جهاد عشرين عاما متواصلة ولحقنت دماء المئات من الشهداء وقلت: «لك حق يا معلم الجمعة الجاية نطلع لك عنيها»! فقال: و«الجمعة الجاية ليه؟! ما ينفعش النهاردة»؟! فقلت: لأ طبعا لأن المجلة لها مواعيد! فقال: يا سيدى ما تدقش!
فلم يسعنى إلا أن أعده وأن أشيعه إلى الباب، مؤكدا له أن «صورة حماته ستظهر باكر على الأكثر»!
وأخيرا يقول كاتب القصة: وغنى عن البيان إنه لو كان كل مشترك يتشاجر مع حماته أو زوجته، لاضطررنا أن نجعل لك «خناقة» عددا خاصا، ولعد ذلك فتحا جديدا فى عالم الصحافة!
ولست أطيل على القراء، فقد ظل «المعلم» يتردد على إدارة الجريدة زهاء أربعة شهور دون أن يسمح له الفراش بمقابلته وأغلب الظن أن «المعلم» قد كف عن الاشتراك فى الصحف، ما دامت هذه الصحف لا تعنى بأخبار «حماته» العناية الواجبة!
انتهت الحكاية، لكن الدنيا تغيرت وكذلك الصحافة، ودخلت نوعيات أخرى من أصحاب النفوذ والمال وبدلا من استجئار صفحات لشرشحة خصومهم فقد أسسوا وأنشأوا مجلات لهذا الغرض وحده!