السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«العقاد».. والمذيع التليفزيونى!

«العقاد».. والمذيع التليفزيونى!






لا أخفى إعجابى الشديد ببرنامج «من سيربح المليون» للمذيع والنجم اللامع «جورج قرداحي»، فما أكثر الأشياء التى كنت أجهلها وعرفتها من هذا البرنامج الثقافى المهم!
أسئلة البرنامج لا تعتمد على الفهلوة والحظ، بل تعتمد على المعرفة والثقافة بالدرجة الأولى، وعندما تعجز عن الإجابة وتضطر للاستعانة بصديق فأنت تستعين بصديق فاهم وعارف ومثقف!
ولعل أحد أسباب نجاح البرنامج بالإضافة إلى الجائزة المالية الهائلة والمهولة (اثنان مليون ريال) فهو فريق الإعداد الذى يقوم بالبحث والتنقيب والتفتيش لإعداد هذا الكم الهائل من المعلومات فى جميع مجالات المعرفة من السياسة والاقتصاد إلى الفكر والأدب والفن والأغانى والأفلام والمسلسلات!
برنامج «من سيربح المليون» يذكرنى بأديبنا الكبير ومفكرنا الأستاذ «عباس محمود العقاد» بثقافته الموسوعية الباهرة التى لا نظير لها، فكل سؤال يخطر على بالك كان له جواب عند «العقاد».
وفى عام 1962 كان التليفزيون المصرى يقدم برنامجا ثقافيا بعنوان «مسابقة» سنة 1962 بين محافظات الجمهورية وفى إحدى الحلقات وجه المذيع سؤالا عن سبب تسمية حى الزمالك، وكما لاحظ أحد المشاهدين وهو «أحمد محمد رفاعي» مدرس بالإسكندرية أن إجابة المذيع والحاضرين لم تكن صحيحة وذكر فى خطابه للعقاد بأنه قرأ فى كتاب عن القاهرة لمؤلفه الأستاذ «شحاتة عيسى إبراهيم» أن كلمة الزمالك باللغة الألبانية معناها العشش أو الخصائص المصنوعة من البوص أوالقش وكانت كثيرة حول القصر الذى بُنى هناك سنة 1830 وفيها كان يسكن أناس من خدم الحاشية، فسُمى القصر كما سمى الحى كله باسم الزمالك! وطلب القارئ المشاهد معرفة رأى «العقاد» فى هذا الصدد!
ولم يخب العقاد ظن القارئ المشاهد وكتب فى يوميات الأخبار مقال عنوانه «الزمالك وسبب التسمية» قال فيه ساخرا: لو صح تحقيق التاريخ بلباقة التخمين لكانت تخمينات المذيع التليفزيونى «تاريخا محققا مقبولا عند طلاب المجهولات التى لا مرجع لها غير الاجتهاد فى التخمين!».
ولقد كانت تخمينة الزمالك على طبقة من اللباقة ولكنها لو صحت لصح مثلها أن «سمالك» من قولهم «سمى» وقولهم «لك» وأصلها أنهم عند طلب التسمية جعلوا يقولون فى ذلك الحى «سمى لك، سمى لك» فأطلق عليه «السمالك»!
ويجوز كذلك أن الزمالك مأخوذة من قولهم «زم. زم» حكاية لصوت الماء، وقولهم «لك. لك» حكاية لصوت الكركى وهو يطوف على الماء والزع، وقد كانت الكراكى تنزل كثيرا على ضفة النيل من الجانبين!
ويمضى «العقاد» فى سخريته المريرة فيقول:
والمذيع بعد هذا يستحق التهنئة بهذه البراعة فى التخمين ولكنه لابد أن يتقبل التعزية لكسله عن المراجعة والتجائه إلى التخمين فى مسألة توجد لها عشرات المراجع المطبوعة أو المخطوطة على مقربة منه، وأقربها إلى الأيدى خطط المقريزى وخطط على مبارك»، وكتاب القاهرة وكتاب صغير لم يكد يمضى على ظهوره ثلاثة أشهر وهو كتاب «القاهرة القديمة وأحياؤها» للدكتورة «سعاد ماهر» وفيه نقلا عن المقريزى وعلى مبارك» أنه قد ظهرت فى القرن الخامس عشر جزيرتان منفصلتان فى مكان الزمالك الحالي، وفى سنة 1830 أقام «محمد علي» قصرا كبيرا بين المزارع فى الجهة الشمالية من أرض الجزيرة واتخذه للنزهة، وقد أقيم بالقرب من القصر أخصاص وعشش عدة يصطاف فيها رجال الحاشية والحرس.
وعرفت المنطقة منذ ذلك الوقت باسم الزمالك، كلمة تركية معناها العشش المصنوعة من البوص أو القش لإقامة العسكر بدلا من الخيام.
ويختتم «العقاد» تعليقه الساخر بتوبيخ المذيع قائلا:
وإذا كان المذيع مسئولا عن سمعة البلد العلمية فى إجاباته العلنية وكان فى استطاعته أن يتأنى قبل إذاعة الأجوبة التى يسأل السامعين عنها، فربما كانت دار الإذاعة كلها مسئولة عن إخلائها من «مكتبة» جامعة يعتمد عليها العاملون فيها، ومن عملهم نشر المعلومات الصحيحة وتزويد السامعين بالخبر اليقين ولو لم يكن من أخبار الزمن الأخير!