السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
طلعت حرب يكتب لـ«روزاليوسف»!

طلعت حرب يكتب لـ«روزاليوسف»!






ذهب محرر «روزاليوسف» لإجراء حوار مع زعيم ثورة سنة 1919 فى الاقتصاد «طلعت حرب باشا»، وبدلا من الحوار الصحفى كتب «طلعت حرب» مقالا بديعا لـ«روزاليوسف» تحدث فيه عن المصاعب التى واجهته فى إنشاء بنك مصر.
بدورها كتبت «روزاليوسف» سطورا قليلة عنه قالت فيها: «بطل مصر الاقتصادى طلعت حرب باشا، رجل العمل الصامت الذى أدى لوطنه ومواطنيه خدمات جليلة خالدة رفعت من شأن مصر، وأطالت رقبة كل مصرى عدة أشبار».
كان عنوان المقال «عندما شرعت فى إنشاء بنك مصر» بقلم صاحب السعادة طلعت حرب باشا واحتل مساحة صفحتين ونصف الصفحة من المجلة، وتقول سطور المقال الوثيقة:
«إذا تركنا المصاعب التى لقيناها من بعض البيوت التجارية فلا يمكن إغفال مقدار ما عانيناه من جهد فى سبيل إقناع مواطنينا بالمساهمة فى هذا المشروع، ولم نكن نتوقع - حين أخذنا على عاتقنا إنشاء بنك مصر - أن يكون السبيل إلى إخراج الفكرة مفروشا بالزهور والرياحين، بل على العكس كنا على يقين من أن الطريق محفوف بالمصاعب والعقبات التى ليس من السهل اجتيازها.
ومبعث هذه المصاعب يرجع إلى نزعة دينية كان أصحابها يعتقدون أن استغلال الأموال فى البنوك يدخل فى باب الربا الذى هو رجس من عمل الشيطان، وكان من الصعب إقناع أصحاب هذه العقيدة بأن استثمار الأموال شىء، والربا شىء آخر!
على أن هذا لا يحول دون الإشارة إلى حادث لا يحملنا على روايته إلا ما ينطوى عليه من الطرافة، وهذا الحادث يعرفه رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف» حق المعرفة!
وتفصيل الحادث، إننى عندما أخذت على عاتقى تنفيذ مشروع بنك مصر وضعت قائمة بأسماء الموسرين الذين أعرفهم وأعرف أنهم لن يتوانوا عن المساهمة فى المشروع، وعلى رأس القائمة صديق لى تقع أطيانه على مقربة من أطيانى فتوجهت إلى بلدته وقابلته فرحب بى كعادته واحتفى بمقدمى حفاوة كبرى.. وكنت على يقين من سهولة مهمتى عند ذلك الصديق! وبعد تبادل العبارات المعتادة فاجأته بقولي:
ما رأيكم فى إنشاء بنك مصرى قومى يرفع من شأن مصر ويعلى من قدر المصريين؟!
فالتمعت عيناه وأجاب: يا لها من فكرة قيمة، حبذا لو تم لنا ذلك!
وطفقت أحدثه عن المشروع حديثا وافيا وأشرح له مقدار ما فيه من المزايا التى تعود على المساهمين فيه.. وأذكر أننى وجدت من صديقى أذنا صاغية وموافقة على كل ما أدليت به بصدد المشروع، ولكن عندما عرجت بحديثى على الممولين المصريين الذين يكنزون أموالهم ويعطلونها وما أنتظره من مساهمة كل منهم ببضعة آلاف، رأيت سحابة من الملل تخيم على وجهه فما أن وصلت إلى الهدف الذى أرمى إليه حتى اختفت نظرات الاستحسان التى كان يتابع بها حديثى فقال:
هذا حسن ولكن كيف السبيل إلى المساهمة فى مثل هذا المشروع، وقد حرم الله الربا؟!
فبادرت بإقناعه بأن استثمار الأموال فى البنوك ليس من الربا فى شىء، بل هو كسب حلال ومشروع.. وكنت قد أعددت فتاوى من كبار رجال الشرع، فلما رددتها عليه أظهر اقتناعا بحديثي، ثم نهض وغاب عنى برهة وفى يده أربعين جنيها ناولنى إياها قائلا:
أنا ما أقدرش أكسفك آدى 40 جنيه، مانيش عايزها وده عشان خاطرك!
واستولت على الدهشة لهذا العرض الغريب، ولم أدر هل كان صديقى يتوهم أن المشروع حفلة تمثيلية لإعانة أسرة أخنى عليها الدهر، أم أنه أشفق على ما بذلته من جهد معه أن يضيع سدى فهو يعوضنى بهذا المبلغ عن الجهد المبذول.. أم أنه كان يقدمه لى بمثابة «أجرة العربية»؟!
هذه حادثة كانت تتكرر مثنى وثلاث أو أربع مرات فى اليوم لأن صديقى هذا كان يمثل غالبية كبار المزارعين الذين كنت اعتمد عليهم كثيرا فى تأسيس «بنك مصر»!
على أن التوفيق الذى أفاضه الله علينا وهذا النجاح الذى لقيناه، والعطف الذى أذرتنا به الأمة جميعا، كل أولئك قد أنسانا كل ما لقيناه من ألوان المتاعب والمشقات.
وفى نهاية المقال يتحدث «طلعت حرب» عن توجه الشباب نحو الأعمال الحرة ويضرب المثل ببنك مصر ونجاحه الذى يتحدث به الناس ويقول:
«أكبر ما يحفز الشباب إلى طريق الأعمال الحرة، هذه «التخمة» التى تعانيها وظائف الحكومة اليوم والتى تصد الشباب عن وظائف الحكومة وتوحى له أن «الميرى وترابه» يعز الآن على طلابه، ولعل الذى يفوت الشباب أن يعلمه أن خدمة الحكومة لا تأتى عن طريق العمل فى دواوين الحكومة بل أن كل عمل تؤديه الأفراد فيه خدمة للحكومة، وكل ذى عمل شريف مهما كانت قيمته وضؤلت مكانته يخدم نفسه وحكومته»!
انتهى مقال طلعت حرب الذى كتبه صيف عام 1939، سطور نادرة لرجل نادر كان بحق ضمير وطن كما أطلقت عليه فى كتابى.