السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مطلوب اغتيال.. إحسان عبد القدوس!

مطلوب اغتيال.. إحسان عبد القدوس!






آلاف الخطابات كان يتلقاها الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» منذ أن كلفته السيدة «فاطمة اليوسف» - والدته - برئاسة تحرير مجلة روزاليوسف.
ولعل أغرب الخطابات التى تلقاها كانت الخطابات التى تهدده بالاغتيال إذا لم يتراجع عن مبادئه ومواقفه السياسية.. ولم يهتز «إحسان» بهذه التهديدات، بل إنه قام بنشرها على صفحات المجلة فى مقالين مختلفين كان الأول عنوانه «يرحمنى الله» والثانى بعنوان «رهان».
ويشرح «إحسان» الحكاية وقصة التهديدات بقوله: «تلقيت هذا الأسبوع ثالث خطاب تهديد منذ أن اشتغلت بالصحافة».
أما الخطاب الأول فكان يوم أن هاجمت السفير البريطانى اللورد كيلرن وكان مكتوبا بلغة سليمة، والخطاب الثانى كان يوم أن حملت على «عبدالرحمن المهدي» الباشا - زعيم سودانى - وكان موقعا بعبارة «سودانى حضر إلى مصر ليقتلك»!
والخطاب الثالث والأخير كان بمناسبة مهاجمتى للنحاس باشا - رئيس الحكومة - وهو يتميز عن الخطابين السابقين بأسلوبه الوفدى الرقيق وبأن صاحبه لا يهددنى بالقضاء على حياتى الغالية فحسب، بل يهددنى أيضا بالاعتداء على حياة المولود الذى لم يرزقنى به الله بعد، والذى قد يولد بعد يوم أو يومين!
وقد أبلغت النيابة عن الخطابين الأولين ولكنى لم أبلغها عن الخطاب الثالث لأنه اتضح أننى فى كل مرة أبلغ فيها النيابة عن خطاب تهديد تقبض علىّ أنا! وتحجزنى ساعة وساعتين وثلاث ثم تفرج عنى وترسل ورائى مخبرا ليراقبنى ويعد علىّ خطواتى وسكناتى وكأنى أنا المشبوه وأنا المتهم!
لم أرسل الخطاب إلى النيابة بل اكتفيت بأ أقرأه.. هل قرأت مرة خطاب تهديد مرسلا إليك؟! وهل تعرف شعورك وأنت تقرأه؟!
إنك تحس أنك قد أصبحت شيئا،، وأنك قد أصبحت أحد الرجال المعدودين فى بلدك، وأنه لولا قيمة حياتك وتميزها عن حياة بقية الناس لما فكر أحد فى الاعتداء عليها!
ويسبح الخيال بك فتتصور أن صاحب الخطاب قد نفذ تهديده وأنه أطلق عليك الرصاص أثناء خروجك من مكتبك أو أثناء ركوبك عربتك فوقعت صريعا شهيدا ويلتف الناس حو جثتك يصيحون باسمك ويبكون حياتك ويتصل عسكرى البوليس بالحكمدارية فينتقل «سليم باشا زكى» وكبار رجال البوليس إلى حيث ترقد فى عرض الطريق، ويرفع الجميع أيديهم بالتحية العسكرية تعظيما لك! ثم يبلغ الخبر لدولة رئيس الوزراء وقد يكون فى اجتماع مجلس الوزراء أو فى مقابلة خاصة مع السفير البريطانى، فيفض الاجتماع أو يطرد السفير ويهرع إليك ليقف فوق رأسك وفى قلبه أسى وفى عينيه دموع ثم يأمر بأن تشيع الجنازة رسميا!
ويكون مندوبو الصحف ومصوروها قد ازدحموا فى مكاث الحادث، يجمعون كل التفصيلات ويلتقطون آلاف الصور، إن كل شىء عنك يهمهم: لون رباط عنقك! ومقاس حذائك! والحُلة التى ترتديها.. وتاريخ حياتك والمدارس التى التحقت بها وهل كنت نابغة أم آخر الفصل! وهل كنت تحب الملوخية أم تفضل البامية عليها؟! وآخر كلمة قلتها وهل قال لك أحد المنجمين إنك ستموت مقتولا شهيدا؟!
وفى اليوم التالى تظهر الصحف كلها وعلى صدرها صورة المرحوم - أى صورتك - وتجمع كلها على إنك كنت وطنيا غيورا، وكنت شابا مجاهدا مكافحا، وكنت صبوح الوجه وديع الأخلاق، هادئ الطبع خفيف الدم، وإنه لولا موتك لتحقق لمصر على يديك الخير الكثير!
ويخرج نعشك فى جنازة رسمية يتقدمها رئيس الوزراء وكبار البلد وعظماؤهم حتى أعداؤك منهم - على الأقل - لينفوا عن أنفسهم شبه اشتراكهم فى الجريمة! ويجتمع الشعب على جانبى الطريق ويتردد حول نعشك الهتاف المشرف: «إشك الظلم لسعد يا...»!
ولا تكاد تصل إلى السطر الأخير من الخطاب حتى تكون قد اشتهيت الموت وانفتحت له نفسك! وتمنيت لو نفذ صاحب الخطاب تهديده حتى لو دفعت له أجرا، فهذه الميتة التى تخيلتها هى «ميتة الأشراف» الأبطال العظماء، إما أن تموت على فراش الكبر أو المرض فهذه ميتة تافهة لا تشرف!
ولكنك لا تكاد تصل إلى الإمضاء حتى تخيب آمالك، فخطابات التهديد دائما لا تحمل توقيعات أصحابها، والخطاب الذى لا يحمل توقيعا معناه أن صاحبه جبان خسيس لا يجرؤ على أن يقتل فرخة أو يواجه فأرا!
وينهى «إحسان» الحكاية بقوله: وقد فكرت فى أن احتفظ بهذا الخطاب لأقرأه لابنى - لو كان المولود ولدا - عندما يولد ويكبر وأقول له إنه كان مهددا فى حياته قبل أن يولد، وأن الحياة أرخص من أن يحرص عليها صاحبها! ولكنى خجلت من أن يعلم ولدى أنه وأباه لم يهددهما فى حياتهما إلا جبان ليس له اسم.. فمزقت الخطاب!
بقى أن تعرف أن هذه الحكاية تعود إلى سبعين عاما مضت، حيث نشرها فى ربيع 1947!
ولم تكن تلك آخر التهديدات!