السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
درس نجاة الصغيرة!

درس نجاة الصغيرة!






الدنيا اتغيرت ياست «نجاة»!
والست «نجاة» التى أقصدها هى المطربة الكبيرة والرائعة الفنانة «نجاة الصغيرة» صاحبة مئات الأغنيات الجميلة لحنًا رائعًا وكلمات عذبة.
ولا أدرى إن كانت السيدة «نجاة» تتابع أحوال غناء هذه الأيام أم لا! وإذا كانت تتابعه وتتبع أخباره فهل كانت تعيد النظر فى مقال قديم لها عنوانه «متاعب مطربة» وماذا لو قرأت أصوات هذه الأيام كلماتها.. ماذا سيقولون عنها؟!
كتبت «نجاة» تقول: الأغنية التى تسمعها فى دقائق وصلت إليك بعد عذاب وسهر وقلق استمر شهورًا طويلة وربما عامًا كاملا أو أكثر.. طوال هذه المدة وأنا أعيش على أعصابى المشدودة دائمًا!
ورحلة المتاعب التى تقوم بها عندما أستعد لتقديم أغنية جديدة تبدأ وأنا أختار كلمات الأغنية التى تناسبنى وتتماشى مع لونى، والعثور على كلمات الأغنية له أكثر من طريق! فأنا لا أستطيع أن أطلب أغنية معينة تتناول كلماتها فكرة بالذات ثم تقدم لى فى اليوم التالى من مؤلفها!
إن هذا لا يحدث ولا يمكن أن يتم.. على أن العثور على كلمات الأغنية المناسبة مشكلة كبيرة.. أحيانًا تعجبنى الأغنية كفكرة ولا تقنعنى بعض كلماتها.. أحس أنها لا تصلح للغناء.. أو أن فيها ما يجرح الذوق أو ما يخدش الإحساس فأطلب من المؤلف علاجها بكلمات أرق، وأحيانا ينجح المؤلف فأقدم الأغنية.. أو لا ينجح فتختفى الأغنية إلى الأبد!
وأنا عندما أدقق كل هذا التدقيق فى اختيار كلمات الأغنية التى أقدمها سببه الوصول إلى هدف.. هدف إرضاء كل الأذواق والأمزجة.
فإذا قدمت أغنية واحدة فى السنة لا تحاولوا اتهامى بالكسل، فإن رحلة العذاب التى أقوم بها وأنا أعُّد الأغنية إليك ستعفينى من هذا الاتهام.
وإذا عثرت على الكلام المناسب والمعانى التى يمكن أن تدخل قلوب الناس، أتوقف لحظات التقط أنفاسى خلالها.. وأنا أستعد للمرحلة الثانية من رحلة العذاب وهى مرحلة تلحين الأغنية، وأنا أتعامل مع ثلاثة ملحنين «عبدالوهاب» وبليغ حمدى وكمال الطويل.
ولنبدأ بالحديث عن «محمد عبدالوهاب» فإذا حدد لى موعدًا يكون قد انتهى فيه من اللحن.. وكان هذا الموعد بعد شهور فإننى أذهب إليه فى منزله لأجده فى انتظارى، ولا يتوقف عبدالوهاب عن إجراء بروفات الأغنية طوال تقديمها للجمهور وفى خلال هذه الفترة أكون قد قدمت أغنية أو اثنتين وثلاثة من تلحين عبدالوهاب أيضًا.. «باختصار فإن عبدالوهاب يظل مع لحنه وهو فى مرحلة الشباب ولا يتركه إلا بعد أن يجتاز مرحلة الشيخوخة».
وأسلوب بليغ حمدى على العكس تمامًا من الأسلوب الذى يتبعه عبدالوهاب وهو يقدم ألحانه الجديدة لى، وألحان بليغ تمامًا كقطعة الماس الأصيل، يقدمها لى على شريط مسجل بصوته ثم يتركها لى وينصرف، وبعدها أجد نفسى مطالبة بتحفيظ اللحن للموسيقيين وحضور كل البروفات الموسيقية حتى يتم تقديم الأغنية وتسجيلها!
أما كمال الطويل فحكايته مثيرة عندما أسمع لحنه الجديد أتأكد تمامًا أنه لحن متكامل من كل نواحيه ثم أصطدم وأصاب بخيبة أمل لا حدود لها عندما أشاهد علامات الشك فى هذا اللحن بالذات وهى تملأ وجه كمال الطويل ويعلن أنه سيعيد تلحين بعض مقاطع الأغنية من جديد، وكل محاولاتى معه لإقناعه تذهب!
وتمضى أيام وتمر أسابيع وبعدها شهور وكمال الطويل يعيد النظر فى لحنه وتنتهى هذه الفترة الطويلة بشىء مذهل وحقيقة رهيبة، اكتشف أن كمال قد كره اللحن الذى وضعه بنفسه ويهرب من تقديمه بعد أن يترك فى أعماقى أسى وحسرة على لحن جميل! ويضع لحنًا جديدًا لكلمات أغنية لم تكتب بعد، يضع الموسيقى مع كلمات من تأليفه هو شخصيًا، وعندما يتأكد من ذلك يطلب من أحد مؤلفى الأغانى أن يكتب كلماتها بحيث تتماشى مع النغمات الحلوة والجمل الموسيقية التى لحنها، وتخرج الأغنية إلى الحياة كاملة رقيقة!
وعندما تنتهى مشكلاتى مع الكلمات والأنغام وإجراء البروفات أدخل فى حلقة جديدة وأخيرة من رحلة المتاعب هى رهبتى مع الجمهور.. حقيقة إننى أشعر بأن العلاقة بينى وبين المستمعين علاقة قوية ومتينة إلا أن هذا لا يخفف على الإطلاق من حدة الرهبة التى أعانيها وأنا فى طريقى إلى المسرح فى كل مرة.. وعندما أقف أمام الميكروفون أشعر وكأن العالم قد توقف تمامًا حتى انتهى من الغناء ويسدل الستار وينقضى ما يقرب من نصف ساعة وأنا أتأمل هل أجدت؟! وهل أديت الأغنية وقدمتها كما يجب؟! ويقترب منى العشرات من الذين استمعوا إلى الأغنية كلهم مهنئون معبرون عن أدائهم بكلمات.
وكل هذا لا يهم فرغم تفاهمى مع الجمهور إلا أننى ما زلت وسأظل أحس برهبة وأنا أبدأ خطواتى الأولى على المسرح فى طريقى لمواجهة الناس وهذا الإحساس فى حد ذاته مشكلة لن تنتهى ولا أريد لها أن تنتهى!.
باختصار شديد ما تريد أن تقوله «نجاة» هو الإتقان ولا شىء غير الاتقان.