السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صاحب الجلالة التليفزيون!

صاحب الجلالة التليفزيون!






وصف الدكتور يوسف إدريس اختراع التليفزيون ودخوله كل بيت بالمفاجأة الكبرى التى لم يتوقعها العالم الأول نفسه، فما بالك ونحن حين جاء كنا لا نزال نحيا ربما  فى العالم الرابع أو الخامس!! حيث أصبح النموذج الأول للتصرف والكلام والفعل!!
ويضيف قائلاً: وجاء التليفزيون بمساعد لا يقل عنه خطورة وبأساً وهو «الفيديو كاسيت» يجمع كل ما افتقدته العائلة من إرسال «التليفزيون العادى» ويضيف إليه أفلاماً وقصصاً وألعاباً وكل ما قد يخطر ولا يخطر على البال!!
وهنا وجدنا أنفسنا نحن آباء هذا العصر وأمهاته نواجه عملاقاً ولا جن ألف ليلة وليلة بكل ما لديه من شبيك لبيك أنا بين ايديك والعالم كله بين يديك، والحب بكله وبجميع أشكاله رهن إشارتك والتقاليع تقاليعه لا ينتهى أبداً لها حال!
ويحكى د.يوسف إدريس عن تجربته الشخصية فى هذا الصدد: «أنا أذكر أول مرة رأيت فيها التليفزيون وجهاً لوجه وكان فى معرض فى القاهرة عام 1958، ومازلت أذكر تلك الدهشة المروعة التى أصابتنى، حين رأيت صورتى» وقد كانت هناك كاميرا تليفزيونية مسلطة على المشاهدين لجهاز الاستقبال، ورأيت صورتى بالأبيض والأسود مرتسمة على تلك الشاشة الصغيرة الساحرة، يومها أخذت الأمر أخذ مثقف متحضر وقلت إن التقدم البشرى ليس له أبداً حدود، وإنى إنما أشاهد معجزة كبرى لهذا التقدم، أى إننى روعت للتقدم التكنولوجى الإلكترونى الذى أنتج هذا الجهاز!
وفى ذلك الوقت لم أنكر أبداً نعيم فيما يمكن أن يحتويه هذا الجهاز بعد هذا وينقله من مواد!!
وما هى إلا بضعة أشهر حتى أصبح هناك إرسال تليفزيونى، لا فى مصر وحدها ولكن فى معظم البلاد العربية، وحتى تدفق على المشاهد العربى طوفان من إنتاج أوروبى أو إنتاج عربى يحاول أن يقلد ويمشى على خطى الإنتاج الأوروبى بطريقة لابد للإنسان معها بطول المشاهدة ومداومتها نظراً لروعتها وخبرتها، أن يحدث له «غسيل مخ إجبارى» بحيث تمحى من عقله مفهومات كثيرة ورثها أو تعلمها، وتحل أشياء جديدة تحمل المكونات النفسية والاجتماعية والسياسية لمجتمعات مختلفة عن مجتمعنا تمام الاختلاف!!
حتى كاد الأمر فى النهاية ينتهى إلى أن تنمحى تماماً من ذاكرتنا كل ما توارثناه من مفهومات وتعاليم وأحاديث أمهات وجدات ونصائح آباء وكبار، ونولى وجوهنا وعقولنا مفتوحة على مصراعيها لتلتهم بلهفة ذلك الطوفان القادم!!
وفجأة أيضاً ودون أن ندرى بدأنا نلمح على أبنائنا وبناتنا الأكثر استعداداً للتقبل والأقل استيعاباً للتراث، تصرفات لا تبدو غريبة كثيراً عن التصرفات التى نراها معروضة فى تليفزيوناتنا، ولكنها تبدو غريبة تماماً إذا ما قورنت بما درجنا عليه نحن من أخلاق وقيم وتصرفات!!
وكان مفروضاً حينذاك أن تنشأ معركة بيننا ــ نحن الآباء ــ وبين ذلك الوافد المكتسح، وأعتقد أن معارك فردية وعائلية كثيرة قد نشبت متفرقة هنا وهناك!! ولكنها كانت دائماً معارك خاسرة، كنا نحن الذين نخسرها، ذلك أن التليفزيون كان قد ربح المعركة تماماً!! وأخذ أولادنا وأجيالنا الجديدة إلى صفه وأصبحنا نحن مجرد «قلة متخلفة» عن الركب، «متحجرة» أمام التحضر والتأمرك والتأورب، تعيش فى عصر غير العصر وتحاول جر أجيال جرارة بأكملها إلى هذا العصر الغابر.
وكان لابد بالطبع أن يبلغ اليأس ببعض الآباء، مثل أخينا الذى اندار على الجهاز يدكه دكاً، أن يحاول حل المشكلة بتحطيم الآلة، وهو  ليس فقط أيأس وأغبى أنواع الحلول، ولكنه يدل تماماً على إن هذا النوع من الآباء قد تخلف عن العصر فعلاً وواجب عليه أن يحطم السيارة هى الأخرى والطائرة، وأن يعود القهقهرى يركب الناقة وينتقل بالحمار!!
ويتساءل د. يوسف إدريس فى مقاله «ملعبة التليفزيون» فيقول: فما هو الحل يا ترى؟! إذا لم يكن تحطيم كل تلك الأجهزة المتقدمة من تليفزيون وسيارة وكمبيوتر وفيديو.. إلخ؟!
المقال القادم نقرأ تفاصيل الحل!!