الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فتحى غانم ومغامرة تفكير حر!

فتحى غانم ومغامرة تفكير حر!






وقعت فى غرام روايات الأديب الكبير الأستاذ «فتحى غانم» كلها دون استثناء، لكنى أدمنت روايته ذات الأربعة أجزاء «الرجل الذى فقد ظله» و«زينب والعرش» حيث كواليس ودهاليز وأسرار وحكايات الصحافة والسلطة والشهرة والمجد.
وشاءت الظروف أن أتعرف عليه أكثر وأجريت أكثر من حوار صحفى معه ضمنته كتابى «الصحافة والثورة»، وعندما كان الأستاذ الكبير «لويس جريس» رئيس تحرير صباح الخير يسافر خارج مصر فقد كان ينيب الأستاذ «فتحى غانم» فى رئاسة التحرير، وكنت وقتها سكرتيراً للتحرير وبطبيعة الحال زادت معرفتى به وسعادتى أيضاً!!
وعندى الكثير الذى أرويه ــ ربما ذات يوم ــ لكننى توقفت كثيراً أمام شهادة بالغة الأهمية كتبها خصيصاً لمجلة العربية الكويتية نشرتها فى باب «مرفأ الذاكرة» تحت عنوان: «مغامرة التفكير الحر» فى عدد يناير سنة 1998 أى قبل رحيله بحوالى عام فى فبراير 1999.
يعترف الأستاذ «فتحى غانم» بأنه يكتب عن بعض ــ وليس كل ــ التطورات الثقافية والفكرية التى تعرض لها أو تأثر بها منذ كان طالباً بكلية الحقوق فى الأربعينيات حتى وقت كتابة شهادته فيقول: «عرفت فى كلية الحقوق لأول مرة الشباب الشيوعى وكانت لهم طريقتهم الخاصة لتجنيد الشيوعيين وهى الدخول فى علاقات شخصية وصداقات حميمة ومناقشات مستمرة فى جو لا يخلو من المرح!! ولقد عرفت شباباً من اليهود فى الجامعة كانوا يروجون للأفكار الشيوعية من خلال حفلات الشاى والرحلات والرقص، واختار شاب يهودى أن يعقد صلة معى بأن يساعدنى على أن أتعلم اللغة الفرنسية بأن أشترك معه فى ترجمة كتاب لأديب شيوعى وهو رواية «أصبح الحديد صلباً» لأوستروفسكى!
غير أن الشيوعية لم تنفرد وحدها بالعمل فى الجامعة، فكان هناك تيار قوى آخر يرفع شعارات «الإخوان المسلمين» وكان تياراً مشروعاً ترحب به السراى وتراه يساندها ضد الأحزاب السياسية التى تتبادل الحكم، وكان مسموحاً للشيخ «حسن البنا» المرشد العام للإخوان بأن يلقى محاضرات فى قاعة الاحتفالات الكبرى تحت قبة الجامعة، ولقد استمعت إليه وهو يخطب فى تلك القاعة قبل أن استمع فيها لجمال عبدالناصر بعد خمس سنوات!!
وبرغم أنى تعرضت بقوة لكلا التيارين الإخوانى والشيوعى فإننى لم انجذب لهذا أو ذاك!! وكان الإحساس الذى يغالبنى هو إننى لا أفهم بالضبط ماذا يريدون؟! وحفلات الشيوعيين لا تريحنى وهتافات الحناجر والعروق النافرة للإخوان لا تدعو إلى الاطمئنان!! ولعل الذى منحنى حصانة من الانجذاب إلى أحد هذه التيارات، هو إننى نشأت فى بيت يهتم بالعلم، وكان يتردد عليه كبار الأدباء والمفكرين بينهم «العقاد» و«طه حسين» و«السنهورى»!!
وكان والدى مشغولاً بتأليف كتاب عن «جان دارك» وتوفى بعد طبعه بعدة أشهر عام 1936، وترك لى مكتبة كبيرة حاولت أن أشرع فى مراجعتها وترتيبها على نحو أفهم منه موضوعاتها المختلفة، فكان لذلك تأثير لازمنى يدفعنى أن أراجع بعقلى كل ما أتعرض له من أفكار! وكانت هناك كتب فى المكتبة تتحدانى، بينها كتب التراث الإسلامى وقد نبهنى إليها منذ طفولتى أستاذى الأزهرى الذى قرأت معه القرآن وأنا فى الخامسة!
ومن بين هذه الكتب «الفصل فى الملل والنحل» للإمام ابن حزم والملل والنحل للإمام الشهرستانى وكتاب تهافت الفلاسفة للإمام الغزالى، وقد فوجئت بكتاب كبير مترجم بالإنجليزية عن الألمانية لفيلسوف التاريخ «أوزفلد شبنلجر» عنوانه: «أفول الغرب» وكان يتكلم عن الحضارة العربية أو السحرية بين حضارات الفراعنة واليونان والغرب، وكان يذكر أسماء كبار المفكرين المسلمين كالغزالى وابن رشد والبيرونى ويتكلم عن نشأة الحضارات وازدهارها ثم شيخوختها وموتها، ووجدت فى هذه الحركة لأطوار الحياة، ما يجيب عن عدة استفسارات كنت أكتمها فى صدرى عن أسباب أفول الخلافة الإسلامية  والهزائم التى انتهت بسقوط الخلافة فى تركيا على يد «كمال أتاتورك»!
وشغلنى أيضاً كتاب للشيخ «محمد عبده» عن «التوحيد» نشره الشيخ «رشيد رضا» وذكر فيه أن ما جاء فى الكتاب لا يجوز ذكره أمام «العامة» وكان يتناول الإيمان وضرورة أن يكون عن طريق العقل ويسأل ماذا لو فكر الإنسان بعقله فلم يصل إلى اقتناع! هل يموت كافراً؟! وأجاب عن السؤال بأن الشك ليس كفراً لأن عملية التفكير والشك هى الطريق إلى الإيمان الصحيح، فالكفر لا يتحقق إلا بالإنكار والنفى، وجاء فى كتاب «التوحيد» عشرات الآيات من القرآن الكريم التى تدعو إلى التفكير والتدبر للوصول إلى يقين بوجود الله».
ويضيف الأستاذ «فتحى غانم»: «كانت لهذه المناقشات تأثيرها العميق فى نفسى».