الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لعنة التدين القشرى!

لعنة التدين القشرى!






الشعب المصرى هو الأكثر تديناً بين شعوب الأرض، وهو الأكثر تمسّكاً بصحيح الدين، فمن ينظر إلى تاريخ مصر سيجدها مهدًا للديانات السماوية، وأكثر بلاد الأرض استقبالاً للأنبياء والصالحين، واشتهر عنها فى الماضى التسامح وتقبل الآخر، وكانت تستقبل الجميع بمودة واحترام بعيدًا عن اعتبار دينه.
لكن، على ما يبدو، أن الأمور قد اختلفت الآن. فعلى الرغم من أنه فى الماضى القريب كنا نعانى من شيوع الجهل، والأمية الدينية، التى كانت نتيجة طبيعية لانتشار غياب الوعى، وقلة عدد المتعلمين والمثقفين، إلا أن الوضع من المفترض أنه تغير، بعد أن زادت نسبة التعليم والالتحاق بالجامعات، وانحصرت الأمية فى أعداد قليلة جداً.. ورغم ارتفاع نسبة المتعلمين وبالتالى من المفترض أن التدين قد زاد، إلا أن عدداً كبيراً من المتدينين يكون تدينهم ظاهريا، ويفصلون بين عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم.
فليس بمستغرب أن نجد من يحافظ على الصلاة والصيام والحج والعمرة، لكنه مهمل فى عمله ولا يؤديه بضمير، بل يتهرب من إتقان مهامه! ونجد من يصلى ويصوم ويؤدى جميع الفرائض، ثم يغش فى الميزان أو يغش السلع، أو يزيد أسعارها ويحتكرها حتى يرتفع ثمنها.
فى الأعوام الماضية، وأثناء أدائى مناسك الحج، قابلت عدداً من المصريين على جبل «عرفات الله» أو فى «منى»، وهناك من قابلته فى مكة، هؤلاء كان منهم مَن هو سيئ السمعة، ومعوج السير، وملوث السلوك، لكنه كان يؤدى مناسك الحج على أكمل وجه. وكأنه من المسلمين الأوائل! ثم يرجع إلى مصر وكأن شيئًا لم يكن، فيعود إلى عمله ولا يتقنه، أو إلى تجارته فيغشها أو يحتكر السلع!
ومنهم من يعود وقد جحد والديه، فلا يزورهما، ويقطع الأرحام، وغيرها من الأفعال التى يمكن أن نطلق عليها «التدين الشكلى أو الظاهرى» الذى يجسد انفصاماً فى الشخصية، وتفريقًا بين العبادات والأخلاق والمعاملات. وهذا الأمر من أشد الأمور خطورة علينا جميعاً.
علماء الدين حذروا من خطورة هذا السلوك على المجتمع، لأنه نقيصة فى الشخصية المصرية التى ضاعت وتبدلت فى السنوات الأخيرة. فهناك مشايخ يقفون على المنبر ويتحدثون عن العدل والحق والضمير والأخلاق، وهم لا ينفذون أى شىء مما يقولونه! وفى المدارس نجد مدرساً له لحية طويلة، يعلم التلاميذ الصدق والأمانة وهو لا يؤديهما.
نفس الشىء يتكرر فى جميع المجالات، الأطباء والمهندسين والمحامين وكل المهن، ولا نعرف لماذا أصبح التمسك بالتدين شكلياً وظاهرياً، وقد نسى هؤلاء جميعاً حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للصحابة حين قال: «أتدرون من المفلس؟ فقالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) المفلس فى أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، وقد ضرب هذا، وشتم هذا وسفك دم هذا، وهتك عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن فى حاجة ماسة لفهم صحيح وجوهر الدين وليس ظاهره، أن تكون أفعالنا متماشية مع أقوالنا. لن ينصلح حال المجتمع المصرى على الإطلاق إلا إذا تخلصنا من التدين الظاهرى القشرى، الذى هو آفة هذا المجتمع.
فالتدين الظاهرى لا يقل خطورة عن التطرف والإرهاب، علينا أن نحسن أفعالنا لتتماشى مع أقوالنا، وتدريس صحيح الدين وقيم الضمير الانسانى لأطفالنا فى المدارس، وزرع هذه القيم فى الأسر والجامعات. ولابد أن يكون القدوة من الآباء أو المدرسين أو أئمة المساجد، متدينين بالأفعال وليس بالاقوال.
مصر الآن فى أشد الحاجة إلى أبنائها الصادقين الذين يعملون بجد واجتهاد وصدق حتى تتقدم للأمام.