السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فتحى غانم فى بيت حسن البنا!

فتحى غانم فى بيت حسن البنا!






«مغامرة التفكير الحر» عنوان الشهادة المهمة للأديب الكبير الأستاذ فتحى غانم التى يعترف فيها بأنه نشأ فى بيت يهتم بالعلم والثقافة ومكتبة كبيرة مما جعله يراجع بعقله كل ما يتعرض له من أفكار ونمضى معه حيث يقول: «كانت لهذه المناقشات تأثيرها العميق فى نفسى وهى التى جعلتنى لا أنجذب بسهولة إلى ما أسمعه سواء من شيوعيين أو «إخوان»، وكانوا يضيقون بى عندما أحاول أن أناقشهم بحرية ويتهموننى بأنى شاب مرفه يتشدق بفلسفات وسفسطات ويذكر أسماء كتب ومفكرين لكنه لا يعمل من أجل قضية وطنه، قضية العمال والفلاحين فى نظر الشيوعيين، وقضية عودة أيام مجد الخلفاء الراشدين فى نظر الإخوان!!
وساعدنى فى بحثى عن حرية العقل كوسيلة لفهم الحياة كتاب المؤرخ الإنجليزى المشهور «لورد أكتون» بعنوان: «أبحاث ودراسات تاريخية»، وقد شرح هذا المؤرخ الذى ينتمى إلى القرن التاسع عشر مفهوم الليبرالية وأجاب عن السؤال الذى كان يراودنى: هل تصل الحرية إلى حد الفوضى؟ فقال إن لله قانونه الطبيعى أو ما يسمى بالعناية الإلهية التى تتكفل بإصلاح أى خلل يطرأ على الموازين، فالشر إذا طغى قابله الخير، والمرض إذا استشرى تصدت له عوامل المقاومة والشفاء.
وقد أعجبتنى هذه الإجابة وأفادنى حديث: «لورد أكتون» عن الصلة بين الدين والليبرالية فى أن أتتبع بعد ذلك موقف التيارات الفكرية الحديثة من قضايا الدين ولاحظت أنها جميعاً لها موقف تفاهم أو تفسير أو مصالحة مع الدين، وحتى الحداثة وما بعد الحداثة فى أيامنا هذه تقوم على تفسير مفاهيم الدين بالرؤية الجديدة للعلاقات المتشابكة والمراوغة فى حياتنا المعاصرة!
ويضيف الأستاذ «فتحى غانم» فى شهادته المهمة: «وهكذا لم أنضم إلى خلية شيوعية مع أنى حضرت جلسات لخلايا شيوعية، كما لم أنضم إلى الإخوان مع أنى ذهبت إلى بيت المرشد العام الشيخ «حسن البنا» وجلست أستمع إليه وسألنى عن اسمى مرحباً بى كطالب فى الجامعة يدخل داره لأول مرة، وبهرنى الاجتماع لكنه لم يصل إلى إقناع عقلى! حتى جاء بعض الأصدقاء يدعونى إلى اجتماع فإذا به دعوة إلى تكوين خلية إرهابية وقد جلست معهم أستمع أحاول أن أفهم وأقتنع حتى كانت جلسة ثانية جاء فيها أحد أعضاء الخلية ومعه منشور مطبوع استعداداً لتوزيعه ووقف وهو طالب فى الحقوق يناقش جدوى الاستمرار فى المشروع ويرى أن الوقت غير مناسب والإمكانات غير متاحة، إلا إذا ارتبطنا بالآخرين أى الشيوعيين أو الإخوان، كان هذا الطالب هو «جمال العطيفى» الذى سوف يصبح وزيراً للثقافة والإرشاد فى عهد الرئيس «السادات»!!
كنا كالسمك الصغير الذى توشك أن تبتلعه الأسماك الكبيرة، وكانت الحالة فى مصر تدعو إلى الاختناق.. و.. و.. وفى هذا المناخ جاء يوم 23 يوليو 1952 ليعلن عن  الجيش وسرعان ما تخلى الملك عن عرشه وظهرت قيادة لحركة حركة الجيش فى جماعة الضباط الأحرار يقودهم اللواء «محمد نجيب»!
وتمضى شهادة الأستاذ «فتحى غانم» وبعد تفاصيل كثيرة إلى القول: وساد الاعتقاد بين ضباط الثورة أن المثقفين الذين عاشوا فى أجواء الماضى والأحزاب الملكية لا أمل فيهم! وكان لابد من البحث عن أفكار جديدة، وفى هذه المرحلة كانت فكرة القومية العربية هى التى نجت من الاتهامات، ولا أستطيع أن أقول إن الجماهير المصرية كانت بعيدة عن معنى العروبة والقومية العربية قبل ثورة 52 والدليل على ذلك أن جميع الأفلام المصرية ــ تقريباً بلا استثناء ــ التى أنتجت فى مصر خلال الثلاثينيات والأربعينيات حتى قيام الثورة كانت تحرص على تقديم أغانى ورقصات ولهجات عربية ساهمت بشكل قوى فى تأكيد الهوية العربية لمصر!
غير أن الظاهرة العامة كانت تكشف عن وجود فراغ فكرى كان يشعر بوطأته الذين تبنوا أفكاراً اعتمدوا عليها كالماركسية أو الإخوانية أو التمسك بالحزبية القديمة، وكنت على عكس هؤلاء أشعر أننا نواجه الواقع الذى نعيشه بغير أفكار مستوردة وأقنعة نستر بها فراغ رءوسنا، ومع الأسف الشديد مازالت قضيتنا الأولى فى تقديرى حتى يومنا هذا هى البحث عن العقل العربى الغائب أو المعطل!! ولقد هرب البعض إلى فكر غربى!! وآخرون لجأوا إلى فكر شرقى، كما هرب البعض من العقل ورفضوا التفكير تجنبوا مخاطره فى انتظار المعجزة أو تصاريف القدر!!
وطبيعى أن طلب التفكير الحر ليس مطلباً سهلاً فمن يستطيع أن يحرر أفكاره وكيف؟ ومن يستطيع أن يصدر قراراً بأن نستخدم عقولنا فى تفكير سليم حر!! وتجربتى مع محاولة التفكير الحر وصلت إلى مواقف لها دلالتها فى الظروف التى كانت تعانى فيها الثورة من مجاعة حقيقية  فى الأفكار!.
ولمغامرة فتحى غانم بقية!!