السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سياحة تليفزيونية ثقيلة الدم!

سياحة تليفزيونية ثقيلة الدم!






مقال طريف وعميق المضمون لفت انتباهى كان عنوانه: «سياحة تليفزيونية»!، وكاتبته هى «جوسلين ايليا» وهى تكتب بانتظام فى جريدة الشرق الأوسط، كما أنها عملت لعدة سنوات كمذيعة ومقدمة برامج تليفزيونية فى لندن وباريس!
أدهشنى المقال لأنه يتحدث عن حال ملايين المشاهدين العرب، فهى تقول: «على الرغم من توافر قنوات فضائية عربية كثيرة فى أوروبا والعالم، فإن من غير المتوفر هو الوقت المخصص للمشاهدة بسبب الانشغال بالعمل وتبعاته!
وتضيف: الفترة الوحيدة التى أخصص الكثير من وقتى فيها لمتابعة القنوات العربية هى عندما أسافر إلى بيروت، فالجلوس مع أفراد عائلتى الكبيرة فى لبنان يجبرنى على متابعة البرامج الحوارية الصباحية والمسائية وفترة الظهيرة، مع العلم أنها لا تختلف كثيرا عن بعضها بعضا، وهذا ما أسميه بالسياحة التليفزيونية.. لأننى أشعر بأن مشاهدة برنامج حوارى سياسى قبل احتساء قهوتى الصباحية هى من ضمن البرنامج السياحى اليومى خلال زياتى إلى بلدى الذى تحولت فيه إلى زائرة وسائحة!
وما لفتنى هو طول المقابلات مع الشخصية نفسها، كما أن اللبنانيين يبدأون يومهم بالبرامج السياسية الثقيلة على القلب والمسمع وعلى الدم أيضا، فالمقابلة تطول وتطول، والضيف يجلس لأكثر من ساعة ويتكلم عن الموضوع نفسه بنبرة عالية ومتعالية فتشعر وكأن الحرب العالمية الثالثة على وشك الاندلاع!
يا ساتر! هذه عبارتى فى كل صباح لدرجة أن شقيقتى تعودت على تعليقاتى الروتينية ولم تعد تنزعج منى عندما أعيد التذمر نفسه من شح الموضوعات والاعتماد على وجه واحد لضيف واحد طيلة فترة الحلقة! وعندما سألت شقيقتى - وهى نفسها إعلامية - عما إذا كانت المشكلة تكمن فى عدم توافر عدد كاف من الناس لاستضافتهم وعن سبب عدم تنوع المواضيع فى البرامج الصباحية التى تستهتر بعقل المشاهد من خلال فقرة تعليم رقص التانجو، وكأن جارتى فى بيروت «طنط أم سليم» متحمسة لمتابعة هذه الفقرة بالتحديد! وعندما تنتهى من الرقص نبدأ بالطبخ، فالطبق فى تلك البرامج يبدأ تحضيره فى الصباح وينتهى ظهرا!
وبصراحة شديدة تقول الكاتبة والإعلامية «جوسلين إيليا»:
يا إلهى الإعلام العربى أشبه بالبضاعة الصينية المقلدة، لأن جميع البرامج مستنسخة من القنوات الخارجية، لكن يا ترى ألم يخطر ببال أحد أن ينقل محتوى البرامج الصباحية التى تعرض فى أوروبا وأمريكا التى تستضيف شخصيات مختلفة تزودك بالأخبار ولا ينتهى البرنامج إلا وقد أضاف إليك معلومة تستفيد منها لاحقا!
ففى البرنامجين الصباحيين الأكثر مشاهدة فى بريطانيا على قناتى «بي. بي. سي» والقناة الثالثة لا يجلس الضيف لأكثر من 6 دقائق على الأريكة، وأنا هنا لا أتكلم عن ضيوف عاديين بل اتكلم عن ضيوف بوزن رئيس الوزراء السابق «ديفيد كاميرون» وزعيم حزب العمال «جيرمى كورين» المعروف بكرهه للظهور الإعلامي! وتلك المقابلات تكون حية وعادة ما يحدد وقتها عند الساعة الثامنة صباحا - نعم صباحا - وأشدد هنا على هذه المسألة لأنه وعلى ما يبدو وحسب ما شرحته لى شقيقتى فإن الضيوف لا يحبذون الاستيقاظ باكرا للمشاركة فى البرامج، وفى حال استطاع معد البرنامج أن يمسك بأحدهم فإنه سيقوم بحلب «فلسفته» حتى آخر قطرة!
أنا لا أتعالى على إعلامنا العربى فقد اشتغلت مذيعة تليفزيونية على قنوات عربية طيلة حياتي، ولدينا كوادر إعلامية رائعة ومواهب لافتة وحوارات مهمة، لكن تعليقى هنا على تعبئة الهواء الإذاعى والتليفزيوني! وبحسب ما سمعته أيضا، فإن المشاهير العرب يرفضون الاستقياظ مبكرا حتى للمداخلة فى برنامج إذاعى ولو عبر الهاتف، مع أن مثل هذه المشاركة لا تفرض عليهم التبرج والظهور بشكل لائق!
وتتساءل الإعلامية «جوسلين» فى نهاية مقالها:
هل يا ترى مشاهيرنا العرب أهم من مشاهير الغرب؟! فمشاهير الغرب يشاركون فى البرامج الصباحية وكأنهم نسمة خفيفة على مسمع ومرأى المشاهد، أما فى عالمنا العربى فغالبا ما تكون مشاركة المشاهير وكأنها رياح عاتية! وأترك لكم القرار!
وبالضبط فإن سطور «جوسلين» هى ما كنت أود كتابته!