الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مطرب الملوك والأمراء وثورة يوليو!

مطرب الملوك والأمراء وثورة يوليو!






كان أحد ألقاب الموسيقار الكبير «محمد عبدالوهاب» هو لقب «مطرب الملوك والأمراء» سواء فى زمن الملك «أحمد فؤاد» ثم ابنه الملك «فاروق»!!
وعبدالوهاب هو الذى غنى أنشودة الفن - كلمات الشاعر صالح جودت سنة 1946 وغنى فيها للملك فاروق: «الفن مين يعرفه إلا اللى عاش فى حماه، والفن مين يوصفه إلا اللى هام فى سماه، والفن مين أنصفه غير كلمة من مولاه، والفن مين شرفه غير «الفاروق» ورعاه!! أنت اللى أكرمت الفنان ورعيت فنه، رديت له عزه بعد ما كان محروم منه، ورويت فؤاده بالألحان برضاك عنه!!».
ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952، لتبدأ صفحة جديدة من حياة مصر سياسيا واقتصاديا وفنيا أيضا، وارتفعت أصوات عديدة تطالب الثوار الجدد بالتخلص من كل رموز وفلول العهد الملكى وفى المقدمة منهم «محمد عبدالوهاب» والسيدة أم كلثوم!! ومصطفى وعلى أمين وكامل الشناوى وفكرى أباظة وغيرهم!! وهو ما لم يحدث!!
ولعل قصة محمد عبدالوهاب مطرب الملوك والأمراء مع ثورة يوليو 1952 تستحق القراءة من جديد، والقصة رواها الكاتب والناقد الكبير «كمال النجمى» فى كتابه المهم «محمد عبدالوهاب مطرب المائة عام» الذى يقول:
«التفت عبدالوهاب إلى العهد الجديد الذى جاء بعد عهد الملك فاروق فأحس أن هؤلاء الشباب الذين يلبسون الحلل العسكرية يعرفونه ويحبونه وأنهم من جمهور أفلامه وأغانيه! وسرعان ما تحقق حدسه فإن الإذاعة أصبحت فى أيديهم وتطلب من «عبدالوهاب» أن يتحف العهد الجديد بنشيد يلهب حماسة الجماهير ويحشد تأييدها حول أهداف العهد الجديد!!
 سارع «محمد عبدالوهاب» إلى صديقه الشاعر «كامل الشناوى» الذى لم يكن أقل منه حماسة لتأييد العهد الجديد، وتناجى الاثنان حول النشيد الذى يطلبه أركان حرب الإذاعة!
قال «كامل الشناوى»: عندى قصيدة نظمتها قبل الثورة مطلعها «أنت فى صمتك مرغم»!!
قال «عبدالوهاب» بعد أن استمع إلى القصيدة: هل يمكن تعديل المطلع الذى تقول فيه: «أنت فى صمتك مرغم» فالمفروض أن المواطن الآن لم يعد صامتا ولا مرغما على الصمت!!
لم تمض أيام حتى كانت الإذاعة تبث النشيد الجديد الذى لحنه «عبدالوهاب» من شعر «كامل الشناوى» ومطلعه «كنت فى صمتك مرغم»!
لقد دخلت.. «كان» على الكلام فصار الصمت والإرغام فعلا ماضيا، وغنى عبدالوهاب للرجال الذين صنعوا هذه المعجزة، وتوالت أناشيد عبدالوهاب تنديدا بالماضى البائد وتأييدا للحاضر العتيد، نشيد «السودان لمصر ومصر للسودان»، وذلك قبل أن يختار السودان الاستقلال عن مصر، و«تسلم يا غالى»، ابتهاجا بنجاة «جمال عبدالناصر» من محاولة اغتياله سنة 1954، و«يا مصر تم الهنا»، و«أقبل السعد» و«السعد جالك».
ثم انهمر المطر غزيرا حتى اكتملت أناشيد عبدالوهاب من أوائل الخمسينيات إلى آخر الستينيات أربعين نشيدا تقريبا وهو أضخم عدد من القصائد والأزجال الحماسية غناه مطرب مصرى أو عربى فى تاريخ الغناء العربى كله!
وقدرت حكومة جمال عبدالناصر هذا الجهد حق قدره فخصت عبدالوهاب بإحياء أول حفلة كبيرة يقيمها لرجال الحكومة عسكريين ومدنيين عام 1954.
وكما يقول الأستاذ «كمال النجمى» فإن عبدالوهاب كان قد انقطع عن الغناء فى الحفلات العامة منذ سنة 1944 حتى فوجئ بهذا التكليف من حكومة العهد الجديد، فاعتلى عبدالوهاب المسرح وغنى للجمهور الغفير من العسكريين والمدنيين مونولوجه الذى صار منذ تلك الليلة من أشهر ما غناه، كان مونولوج «كل ده كان ليه» بلغته الرومانسية وألحانه الهامسة بكلمات العشاق هو الأغنية الوحيدة التى جاد بها «عبدالوهاب» على الحكام الشبان الذين احتشدوا لسماعه فى تلك الليلة فلم يطلبوا منه نشيدا ولا كان يطيب لهم أن يسمعوا منه تلك الليلة الجميلة أناشيد.
وقال له «جمال عبدالناصر» وهو يزجى إليه الشكر الرسمى بعد السهرة الممتعة: لقد أعدت إلينا شبابنا يا أستاذ عبدالوهاب!!
ويعلق الأستاذ «كمال النجمى» قائلا: ربما كان عبدالوهاب هو الذى أعاد الشباب إلى نفسه - ولو مؤقتا - بما غناه فى هذه الحفلة، فقد كان ليلتها فى السابعة والخمسين من عمره أما عبدالناصر فعن أى شباب كان يتحدث وهو فى السادسة والثلاثين؟!
انتهت الحكاية ولا ينتهى مغزاها الفنى أو السياسى!!