السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثورة يوليو وضريبة السجاير!

ثورة يوليو وضريبة السجاير!






لا تؤجل علاج اليوم إلى الغد! ولا تؤجل حل مشاكل اليوم إلى الغد أو بعد شهر أو بعد سنوات!!
هكذا يفكر ويؤمن العالم كله إلا عندنا فى مصر، فنحن عشاق التأجيل والتأجيلات فى كل شىء! ومعظم مشاكلنا الآن سببها ببساطة هى تأجيل العلاج المناسب إلى وقت لا يجىء إلا متأخرا!! ومنها مثلا مشكلة «الدعم»!
وتحضرنى هنا حكاية لها دلالتها رواها الاقتصادى المرموق «الدكتور عبدالجليل العمرى» فى كتابه «ذكريات اقتصادية»، والدكتور العمرى كان وزير تموين قبل ثورة يوليو 1952، كما اختارته الثورة أيضا وزيرا للتموين فى وزارة على ماهر باشا، وقام بإعداد أول موازنة عامة وافق عليها مجلس الوزراء وبقى موافقة مجلس قيادة الثورة برئاسة «جمال عبدالناصر»، وكان اللقاء فى مكتبه وحضره اللواء محمد نجيب وجمال سالم وعبداللطيف البغدادى وآخرون!! ويروى «العمرى» ما جرى وقتها قائلا:
كان اللقاء فى شأن الزيادة على الضريبة الجمركية على «الدخان والسجائر» مما استتبع زيادة علبة السجائر «20 سيجارة» قرشا واحدا وكانوا يطالبون ويصرون على إزالة هذه الزيادة والعودة بسعر السجائر إلى ما كانت عليه من قبل!! لأن سياسة الضريبة الجمركية على سلعة يستهلكها الكثير من جمهور الشعب لا تتماشى وما قامت عليه الثورة من رغبة فى إسعاد جموع الشعب!!
ويظهر أنهم كانوا قد أثاروا الموضوع من قبل مع رئيس الوزراء عقب صدور الموازنة العامة مباشرة، لأن «على ماهر» تكلم فى الموضوع وذكر أن هناك شكوى عامة من زيادة أسعار السجائر وسألنى إن كان من المستطاع إلغاء الزيادة فى ضرائب الدخان، وكانت إجابتى تتلخص فى أن الضرائب الجمرمية من المسائل الحساسة جدا فى سوق التجارة والمال ففرضها وتم وإلغاؤها بعد ذلك مباشرة يدل دلالة واضحة على ضعف سياسة الحكومة، ثم إن هذه الزيادة ستجلب للخزانة خمسة ملايين جنيه وهو مبلغ لا يستهان به - فى ذلك الوقت - الذى كانت جملة إيرادات الدولة لا تتجاوز الـ220 مليون جنيه «مائتى وعشرين»!!
وفى اللقاء ذكرت أنه فى الكثير من البلاد المتقدمة والتى تتجه اتجاها اشتراكيا لا زالت الضرائب غير المباشرة تمثل جزءا مهما من إيرادات الدولة، خاصة أن تدبير خمسة ملايين عن طريق الضرائب المباشرة صعب المنال!! .. و.. وهنا أثاروا أن موضوع زيادة ضرائب الإيراد العام، وهى التى تفرض عادة على الأغنياء لم يأت لها ذكر فى مناسبة عرض الموازنة العامة، فأفهمتهم أن وزارة المالية انتهت من إعداد مشروع القانون الذى يعدل فئات الضريبة ويرفعها!! فإننى مقتنع أن هذه الزيادة لن تأتى بحصيلة كبيرة وما أظنها تجاوز المليونين من الجنيهات، ولكن الذى دفعنى لإعداد مشروع القانون هو الرغبة فى العمل على تقارب الدخول الصافية!!
ويمضى «د.عبدالجليل العمرى» قائلا: ومن غريب المصادفات أنه عندما حان وقت تحضير الموازنة العامة «1953 -  1954» وكان الحال قد تغير فأصبح «محمد نجيب» رئيسا للوزارة مع كونه رئيسا لمجلس قيادة الثورة، وكان هذا المجلس قد أخذ سلطة السيادة، كان واجبا على وزير المالية أن يعرض الخطوط العريضة لمشروع الميزانية الجديدة على مجلس قيادة الثورة قبل عرضها على مجلس الوزراء لإقرارها واستصدار القوانين الخاصة بتنفيذها!!
فلما عرضت الخطوط العريضة وكان من بينها وزن رغيف العيش دراهم معدودات ثار غالبية أعضاء المجلس واكتفيت هنا بالقول بإن الابقاء على وزن الرغيف سيستبع أولا زيادة فى بند نفقات الدعم الذى كان فى ذلك الوقت نحو مليونين من الجنيهات، وكان الدعم أصلا غير مقبول من الناحية الاقتصادية لأنه يخل بصرح الكيان الاقتصادى، وثانيا إن الموازنة العامة ستظهر وبها عجز يكاد يصل لخمسة ملايين من الجنيهات!!
وهنا اقترح أحد الأعضاء زيادة سعر علبة السجائر قرشا، كما حدث فى العام الماضى، وكان هذا القول مثار تعليق من أكثر من عضو، وكان من بينهم «زكريا محيى الدين»، الذى قال إن زيادة القرش لعلبة السجائر فى العام الماضى لاقت معارضة شديدة من ناحيتنا وكادت تدفع بوزير المالية أن يستقيل فكيف يحق لنا أن نقترحها الآن»؟!
وبعد مناقشة جميع الاحتمالات الأخرى ولم يكن من بينها فى هذه المرة زيادة فئات ضريبة الإيراد العام انتهى المجلس إلى الموافقة على الخطوط العريضة، ومن بينها خفض وزن الرغيف!! وقال «محمد نجيب» فى ذلك الوقت كلمته المأثورة «دى لقمة للقطة» وقد استعمل هذا التعبير فى خطاباته بعد صدور الموازنة مما كان له أكبر أثر فى قبول الشعب لخفض وزن رغيف العيش!! وهكذا توازنت الميزانية ولم نضخم بند نفقات الدعم».
ولا تنتهى الحكايات وفى شهر رمضان الكريم تحلو الحكايات والذكريات.. ورمضان كريم.