الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المواطن «مش مصرى»!

المواطن «مش مصرى»!






 صبيحة السابع من أكتوبر ١٩٧٣ استيقظ العالم مندهشا من قدرة المصريين على فرض المستحيل واقعا ملموسا خارقا لكل الحسابات البشرية.. الشعب الجريح استعاد أرضه وعرضه وولدت أسطورته من رحم انكساره وهزيمته التى لم تمتد طويلا بصلابة معدنه المستمد من إيمانه بذاته ووطنه.
يقينا.. منذ هذه اللحظة.. هناك من أدرك أن هذه الشخصية المصرية إذا أدركت إرادتها والتفت حول قيادتها فإنها قادرة على تحقيق المستحيل وتجاوز فكرة الزمن المادية حتى لو لم تمتلك كامل أدواتها.
بعدها انطلقت عملية العبث الممنهج بتفاصيل تلك الشخصية لإعادة رسم ملامح مسوخ إنسانية مشوهة داخليا، امتد تشوهها إلى مظهرها الخارجى وإلى مخارج ألفاظها وتعبيراتها اللغوية.. عمليتا التشويه المادى والمعنوى قامتا على أسس محددة أحدثتا خللا جسيما ارتكز إلى ما يلى:
- فرض ثقافة استهلاكية غير محدودة المدى.
- الإغراق فى منظومة من القبح يبدأ بمعايشة القبح ثم امتصاص القبح ثم ألفة القبح وأخيرًا إفراز القبح.
- استخدام الدين كأداة للهروب من الواقع المؤلم وبالتالى ممارسة طقوسه الظاهرية دون انعكاس حقيقى على سلوكيات من يدعى التدين.
- مسخ الهوية الثقافية.
- هدم البناء المؤسسى.
- إعادة تقديم الوسطية المصرية باعتبارها تفريطًا فى ثوابت الدين.
- تكريس ثقافة الإثراء السريع.
- إهدار قيمتى الوقت والعمل.
- تقديم مفهوم الحرية باعتباره حقا فى مخالفة القوانين.
- إهدار قيمة احترام الكبير. 
- القضاء على المهنية والحرفية والإتقان والقبول بمستويات متدنية من الأداء .
- تكريس ثقافة التواكل واستغلال القيم الدينية فى غير محلها والخلط المتعمد بين الرضا الحقيقى وبين التظاهر بالرضا بالقليل كمسوغ لعدم العمل.
اجتمعت عناصر تلك المنظومة فنجحت فى تنميط نموذج للمواطن المصرى اتسم بما يلى:
- أكثر استجابة لسلوك القطيع.
- أكثر قابلية للانخداع بمحاولات استخدام الدين.
- أكثر قدرة على تبرير كسله وفشله.
-أكثر انجذابا للنماذج الإنسانية القادرة على ممارسة الخداع.
- أكثر إنتاجا للكلام.
- أكثر انخداعا بالمظاهر.
- أكثر انشغالا بعيوب الآخرين.
- أكثر قدرة على المطالبة بحقوق لا تقابلها واجبات.
 - أكثر استكانة لوضعه البائس وبالتالى عزوفه عن تطوير وتعليم وتثقيف ذاته ثم المطالبة بارتقاء وضعه دون أى مؤهلات.
- أكثر اعتقادا بحقه فى مستوى من الرفاهية لا يقابله عمل حقيقى.
لم  تقتصر تلك السمات على محيط تعاملاته الشخصية فحسب بل امتدت لعلاقته بالدولة!
نتاج هذا الاستهداف على مدى أربعة عقود متتالية تجلى فى أول تجربة عملية فى العصر الحديث عشية ٢٨ يناير ٢٠١١ لإسقاط الدولة المصرية، بعدما انطلقت عملية نوعية شاركت فيها جموع غفيرة بالفعل المباشر، أو بالاستسلام لحالة التغييب الذهنى الجمعى، أو بالتنظير المنفصل عن الواقع، أو حتى بالصمت المتعمد، ومع الأسف تراجعت أصوات العقلاء والمخلصين أمام حالة الاستعلاء الدينى والاستعلاء الثورى اللتين نجحتا فى احتلال الدولة سياسيا لفترة ليست بقصيرة بتواطؤ إعلامى ونخبوى مركز.
لنا علاقة المواطن المصرى بفكرة العمل نموذجا..  تلك العلاقة التى أصبحت تتميز بحالة من التنافر..  فالموظف بات يمارس هواية الشكوى رغم يقينه أنه يتواجد يوميا فى محل عمله دون أى إنتاج، لا يسلم منه المواطن صاحب المصلحة ولا رئيسه الذى يصفه بالمتعنت و«النمكى» و«الحنبلى» لمجرد أنه ملتزم بقواعد القانون  ويذكره يوميًا بضميره الغائب الذى لم يعد يردعه ولا يثنيه عن  تعطيل مصالح الناس أو استباحة المرافق العامة!
لايكتفى الموظف البائس بذلك فحسب بل يبذل مجهودا يوميا ثابتا للتسفيه من أداء زميله المجتهد الذى يذكره بانعدام ضميره فى كل لحظة، وهو ونفس الموظف الذى لا يكف عن الشكوى ذاهبا إلى العمل أو عائدا منه متناسيا أن تدهور الأوضاع هو نتاج انعدام ضميره وأمثاله، فمن يعمل مثقال ذرة شراً يرو.
الخلاصة..  إن إعادة تأهيل الشخصية المصرية وتصحيح مسارها والعودة بها إلى أصولها وثوابتها قضية أمن قومى وهى الأصل فى عملية التنمية المستدامة..  فالاستثمار فى البشر أغلى وأرقى وأصعب الاستثمارات.