الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الفنطزية» التليفزيونية!

«الفنطزية» التليفزيونية!






زحمة «الفضائيات» لا تقل خطورة أو إزعاجاً عن زحمة الشوارع هذه الأيام! زحمة مسلسلات على كل لون، وبرامج لا حصر لها ورغى ولت بلا حدود مع أهل الفن والكورة.
كل فضائية تحشر أكبر عدد من المسلسلات أو الإعلانات التى يتخللها مسلسلات، تحشرها فى شهر واحد، وكأن المشاهد فاضى - لا شغلة ولا مشغلة -!
وعلى ما يبدو فإن هذه الزحمة التليفزيونية صناعة مصرية أصيلة تتطور عاما بعد عام، من زمن القناة الأولى والثانية وحتى عشرات القنوات فى هذه الأيام، نفس الزحمة ونفس الشكوى! سواء من القنوات التليفزيونية أو المحطات الإذاعية العديدة!
ونفس الشكوى والولولة التى تصرخ بها الآن هى نفسها وبالضبط شكوى الدكتور يوسف إدريس قبل 35 سنة عندما كتب يقول: قبل أن يضرب مدفع الإفطار تكون فنطزية رمضان الإذاعية والتليفزيونية قد بدأت، ففى الإذاعات المختلفة هناك ثمانية مسلسلات وربما أكثر لا أعرف وتمسك المسلسلة منها فتجد موضوعات سخيفة سخفا لابد أن مؤلفه عبقرى فى قدرته على السخافة، موضوعات مفتعلة ومصطنعة وكوميديا لا ضحك فيها! وحب لا وجود له حتى على سطح القمر، وأناس يمثلون كلاما لا أدرى من أين يجيئون به، وكله «تسالى صيام» وكأنها ساعة جوع أو بضع ساعات تذهب بعقل أى منا تماما وتحتم على الإذاعة والتليفزيون أن يملأ الفراغ العقلى الذى أحدثه الجوع بمزيد من الفراغ العقلى الذى تحدثه المسلسلات والفوازير!
ويمضى د.يوسف إدريس متحدثا عن برامج الإذاعة فيقول: قررت ذات مرة أن أستمع لكل برامج رمضان فى الإذاعات المختلفة وعلى عدة أجهزة مرة واحدة، استمعت إلى الضيوف ناس من نجوم مصر وساساتها وعلمائها، تحضرهم الإذاعة ليقولوا «أفرغ كلام» ممكن أن يقال ست ساعات إرسال من مختلف المحطات يستقدم فيها ناس كبار ليلعبوا معهم لعبة الكراسى الموسيقية و«يهزروا» معهم هزاراً سمجا لا يضحك إلا مقدمى البرامج الذين «نسمع» ضحكهم، وكأن عقل المستمع المصرى غير قادر أن يستوعب!
أراهنك أن تجلس إلى التليفزيون فعلا من الساعة الخامسة مساء وإلى انتهاء البرامج فى الثانية والنصف «تسع ساعات ونصف الساعة إرسال» فى كل قناة أراهنك أن تخرج بشىء يهزك حقا أو على الأقل يجعل عقلك يعمل أو يفكر فى التحرك، كل شىء يدعوك أن تسطع مخك! وأن تستلقى كالمغمى عليه لا يحتاج إلا لعشر وعى كى يتابع البرامج فكلها برامج تسلية!
وفى كل تليفزيونات العالم برامج تسلية ولكنهم دائما يضعون أمام أعينهم فائدة المتسلى فيغلفون الثقافة والمعلومات بغلاف مسل حقا لقد ذهبت منذ شهر أو أقل إلى لندن وكانت لدى أعمال مهمة، ومع هذا فلم أستطع أن أغادر الفندق لأن التليفزيون شدنى إلى مقعدى بطريقة لا أملك معها حراكا، معلومات ومعلومات وآفاق واسعة تفتحها لك كاميرا التليفزيون تريك العالم كله وأنت جالس، تعلمك التاريخ، تريك الجغرافيا، ليست علما جافا كما كنا ندرسه وإنما حقائق مذهلة مصورة العالم حقيقة بين يدك!
بحيث إننى بعد يومين من مشاهدة التليفزيون أحسست وكأنى قرأت أكثر من كتاب عن الحياة فى إنجلترا والحياة فى العالم أجمع!
ويختتم د.يوسف إدريس مقاله بالقول: «إن ما نحدثه فى أنفسنا وفى حياتنا من تحويل رمضان إلى شهر جشع طعامى وفنطزية وتسلية وكل شىء ما عدا العمل والعبادة أمر جد خطير!».
انتهى ما كتبه أديبنا الكبير ولم يعش حتى يرى سباق المسلسلات التى فاق عددها المائة مسلسل مصرى وعربى وبعد أن كان الإرسال تسع ساعات ونصف الساعة أصبح الإرسال 24 ساعة فى اليوم.