الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مقال لن يعجبك!

مقال لن يعجبك!






أكتب على خط النار، أسير بقلمى بمحاذاة خط الاستواء، لايستهوينى ركوب الأمواج والسير مع القطيع بحثا عن شعبية زائفة، الكلمة أمانة وشجاعة وليست بطولة.. والفارق كبير!
لم أضبط نفسى مترددا، أو متوجسا من الدخول فى معترك الكتابة مهما كانت درجة سخونة القضية وقضية رفع الدعم الجزئى عن الطاقة هى جهنم الحمرا بفعل فاعل معروف ومرصود ومكشوف ومفضوح لتأليب الرأى العام حينا ولتحقيق مكاسب سياسية فى أغلب الأحيان!
مع قرارات نوفمبر الماضى الخاصة بتحرير سعر الصرف - تعويم الجنيه - وبداية التحرك فى ملف الدعم كان أن جمعتنى المصادفة بأحد «تايكونات» نظام مبارك - رجل صناعة وسياسة من أركان النظام الأسبق - وفيه اعترف بصحة القرارات وتوقيتها، الذى اعتبرها تأخرت لسنوات طويلة وأنه مع حكومة نظيف والحزب الوطنى وقتها - قبل 2011 - حاولوا إقناع الرئيس الأسبق مبارك باتخاذ قرارات مماثلة لإصلاح منظومة الاقتصاد والموازنة وإنه مع الوقت لا يستقيم أن تستمر الدولة بهذا العجز الكبير الذى يلتهم كل إيرادات الدولة ويزيد من حجم الدين ويؤثر على الأجور والخدمات، خاصة مع الزيادة السكانية!
الرجل اعترف أن مبارك لم يرضخ للقرار السليم لحسابات السياسة، وأقر أن هذه القرارات لو اتخذت فى وقت سابق كانت فيه الاحتياطات النقدية تقترب من 40 مليار دولار ومعدلات النمو تصل إلى 7.3٪ كانت تأثيرات القرار ستكون شبه معدومة على المواطن!
أما وأن ذلك لم يحدث ودخلت بعدها البلاد فى دوامة فوضى 25 يناير، انهارت فيها الدولة اقتصاديا واجتماعيا وصولا لحكم الإخوان الذى قضى على ما تبقى من مقومات الدولة، وعليه فإن محاولة إنقاذ الدولة المصرية فى ثورة 30 يونيو لم يكن قرارا عاديا، بل مهمة انتحارية على كل المستويات وشجاعة منقطعة النظير لمن قرر قبول المهمة وأن يستقبل كرة النار - العابرة للرؤساء والأنظمة - فى صدره، غير مبال بشعبية زائفة، أو هتافات مدوية!
لم يستلم «عبد الفتاح السيسي» حكم البلاد بعد فترة حكم الإخوان وهى سويسرا مثلا، كان الوضع مأساويا بكل المقاييس، التقارير مفزعة، حسابات اللحظة وقتها مقلقة، الظرف السياسى والتاريخى مأزوم، وبحسابات الورقة والقلم فإن العبور بالبلاد وإنقاذها بكل الخسائر هو المعجزة بذاتها.. كانت تقديرات الموقف وقتها تعظم من الآثار الجانبية والتبعات والعقبات التى تواجه صانع القرار لو قرر الإصلاح، كالعادة دخل المستشارون على خط تحذير الرئيس من اتخاذ القرارات الواجبة لاعتبارات الشعبية وإرضاء الجماهير على حساب المستقبل وحق الأجيال القادمة وإنقاذ الدولة ووضعها على طريق الإصلاح الحقيقي.
ضاربا بكل التحذيرات، قرر السيسى اتخاذ القرارات الواجبة، لم تكن الشعبية ضمن حساباته فى كل قراراته طالما حققت المصلحة الوطنية، فالضريبة المدفوعة حاليا مؤلمة لكن تصحح البدن وتعيد له نشاطه وتعافيه من المسكنات التى مهما طالت لن تشفيه من مرض مزمن يتعاظم ويتكاثر حتى يأتى على الدولة وما فيها!
مصر ليست غرفة منفصلة عن العالم من حولنا، تؤثر وتتأثر بمحيطها وبالاقتصاد العالمي، وما ينسحب على الدولة ينسحب على الشعب أيضا، علينا أن نعيش وأن تتوافق سلوكياتنا مع العالم.. لا يستقيم أن يكون حجم استهلاكنا يتجاوز حجم إنتاجنا ونريد أن نكون فى نفس المستوى المعيشى لدول يعمل شعبها ليل نهار، ويرشد فى إنفاقاته واستخداماته للطاقة.
هذا هو العالم من حولنا، ونحن جزء منه لكننا ارتكنا إلى السلوك السلبي، والفهلوة، والتكاسل، وربما كتبت ناقدا نفسى وإياكم فى نفس ذات المساحة هنا قبل عدة أسابيع عسى أن نستفيق!
الأمم جميعها تقدمت من رحم المعاناة، ذاقت المرار أضعافا مضاعفة فى سبيل نهضة بلادها وتحسين مستوى معيشتها، وهى قصص تستحق أن تروى ولا تسع المساحة هنا لذكر التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، أو كيف صعدت الصين لتقود العالم فى 35 عاما والأمثلة كثر.. «لا حلاوة بدون نار»!
أقول هذا وأعلم أن هناك من زملاء المهنة سيتوارون خلف ستار، أو يركبون موجة الجماهير، أو يصمتون ويختفون من المشهد حتى لا تطالهم نيران النقد والأسعار، سوف يتاجرون بكم، ويحاولون مغازلتكم دون وقفة نقد مع النفس والضمير.
فى الغرف المغلقة سيعترفون أمام المسئول الكبير بصحة القرارات وصوابها وأن مواقفهم المعارضة هو تخوفهم على شعبية النظام، والحقيقة أنهم حريصون على شعبيتهم هُم.. استقيموا!