الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السادات ومحنة الصحافة الأخلاقية!

السادات ومحنة الصحافة الأخلاقية!






فى أبريل سنة 1978 صدرت الطبعة الأولى من كتاب الرئيس الراحل «أنور السادات» وهو «البحث عن الذات: قصة حياتى» وتوالت طبعات الكتاب حتى إن الناشر «المكتب المصرى الحديث لصاحبه الحاج أحمد يحيى أصدر طبعة شعبية رخيصة الثمن - وحسب كلامه - فقد ساهم الرئيس بجانب من التكلفة الفعلية بالإضافة إلى تنازله عن حقوق التأليف لهذه الطبعة!».
كان كتاب «السادات» حديث كل الصحف وقتها سواء قومية أو حزبية، وتحول إلى مسلسل إذاعى شهير من ثلاثين حلقة، وفى استفتاءات الجرائد والمجلات وبرامج الإذاعة المختلفة حصد الكتاب لقب «أحسن كتاب» صدر فى عام 1978!.
ورحل «أنور السادات» فى أكتوبر سنة 1981 وبعد عدة شهور صدر له كتاب بعنوان «وصيتى» فى يناير سنة 1982.. ولم يحظ الكتاب بالاهتمام والكتابة عنه أو نشر فصول منه كما حدث مع كتاب «البحث عن الذات»!
كتاب «وصيتى» عبارة عن مقالات قصيرة بسيطة الأسلوب يتناول فيها موضوعات إنسانية فى المقام الأول ويتخللها بعض المواقف التى مرت به من سجن واعتقال وهروب واختفاء وقيام الثورة وملاحظات حول كل ذلك.
وبعيدًا عن كل ذلك توقفت كثيرًا أمام  تجربته الصحفية فى جريدة الجمهورية التى كان مسئولا عنها مسئولية كاملة، وكان يكتب فيها مقالًا يوميًا قصيرًا بعنوان.. «رأى»، كما كتب على صفحاتها ذكرياته ومذكراته عن ثورة 23 يوليو 1952.
كتب الرئيس «السادات» يقول:
«تعودت دائمًا أن أختزن الألم فى نفسى حين أعانيه، ولقد مرت بى صنوف كثيرة من هذا الألم.. فعانيت وتحملت!
ولكن شيئًا واحدًا عانيته ولم أستطع أن أتحمله ولم أستطع أن أختزنه فى نفسى، فقد كنت أشعر أنه إذا ما استقر فيها لا بد أن يطمس جمالها، وأن يعكر صفوها وأن يزلزل فيها الهدوء واليقين، ذلك الشىء يا أخى هو خيانة الصديث أو الزميل.
والصداقة - كضرورة أخلاقية - لا تعنى فقدان المعايير الموضوعية والحكم على كل ما يفعله الصديق بأنه صواب بل أن الصداقة الحقة تحتم الصدق الموضوعى مع الصديق قبل أى اعتبار آخر ولو أثارت هذه الموضوعية غضب الصديق لما استحق هذه الصداقة أيضًا! فالصداقة لا تعنى الزيف والبهتان والخداع والتضليل والتحايل بل تعنى مواجهة الحقائق مهما كانت مرة، ثم إصلاحها فى صدق وإخلاص».
ثم يروى «السادات» هذه الواقعة فيقول:
«عندما قمت بإنشاء دار جريدة الجمهورية فى أواخر عام 1953، دخلت فى دوامة رهيبة بسبب صراع مع القيم البالية التى رسخت منذ صحافة العهود السابقة التى كانت تؤجر للحزب الذى يدفع أكثر، وكانت العلاقات زاخرة بالصداقات الظاهرية التى يتلوها فورًا - الطعنات من الخلف!
عندما جاءت عملية ترشيح المحررين أدركت مدى الحضيض الذى بلغته صحافتنا، فكلما رشح لى البعض أسماء معينة أبدأ فى السؤال عن أصحابها، فأسمع بعد السؤال طعنًا شديدًا فى أصحاب هذه الأسماء كان يرشح  مثلاً خمسة.. فأسمع طعنًا فى أربعة وفى اليوم التالى أسمع طعنًا فى ثلاثة ثم فى اثنين!
وعرفت حقيقة مخزية، عرفت أن كل إنسان منهم يكره الآخر، وإن لم يكن يعرفه! المسألة كانت محنة أخلاقية تمر بها صاحبة الجلالة، ولم أكن أدرى فى تلك الأيام هل المسألة هى أننا نكره الخير لبعضنا أم المسألة أعمق من هذا؟! على  أى حال لقد استمعت إلى آراء كثيرة فى أناس كثيرين ولم تكن كلها صحيحة أو لوجه الله!
وكانت أسرة التحرير فى أثناء هذه العمليات المتشابكة العديدة تكبر ويزداد عدد أفرادها، وعندما بدأنا نعد التجارب أى البروفات اكتشفت مسألة خطيرة تتصل بعلاقات الزملاء بعضهم ببعض، فهذا لا يحب ذاك، والثانى لا يستلطف دم الثالث! وجعلت من مسألة تسوية الخلافات بين أفراد أسرة التحرير جزءًا من عملية إعداد الجهاز الكبيره لكن تبين لى أن بعض المحررين - وكانوا من أصدقائى - قد فهموا أن «أنور السادات» - صديقهم - يجب أن يضعهم فوق رأس الجميع وكانوا مخطئين! ولكى لا تحدث مأساة تؤثر فى سير العمل اضطررت إلى الضرب بشدة وقسوة لكى أثبت للزملاء جميعًا أن الصداقة شىء والعمل شىء آخر، فأنت صديقى وهذا شىء لا خلاف عليه ولا أنكره، أما أنك تملك كفاءات لا وجود لها عند الآخرين، فذلك يحتاج منك إلى دليل، والصداقة ليست دليلًا على الكفاءة».
انتهى ما كتبه الرئيس.. «السادات» عن الوسط الصحفى زمان، فهل تغير الوضع الآن؟!.