الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
معارضة أم مكايدة؟!

معارضة أم مكايدة؟!






الرضا بالقدر خيره وشره أحد أركان الإيمان، ومن مآسى القدر أن ابتليت مصر بأورام حزبية تسمى بالمعارضة، لم تضبط مرة واحدة فى محاولة لإحداث حالة من توازن القوى بل فرضت حالة ممنهجة من توازن الضعف !
وبدلا من أن تَخَلَّق حالة من المنافسة المشروعة تساهم فى تقوية بنيان الدولة وإتاحة مسارات مشروعة للعمل السياسى نجدها مستكينة ومستمتعة بحالة الاستاتيكية السياسية، رغم أن الظرف السياسى قد أتاح لها فرصًا تاريخية تكررت فى وقت قصير جدًا فى عمر الأنظمة عندما رحل نظام كامل عام ٢٠١١، ثم تكررت الفرصة عام ٢٠١٣ بعد ترحيل العصابة الإخوانية من حكم البلاد.
 رغم جسامة الأحداث إلا أنك لا تجد تأثرًا أو تغيرًا جذريًا حدث لتلك المعارضة بقدر حجم الحدث، ولا تتوقع حدوث أى تغيير ينعكس على أدائها وشكل حركتها للأسباب التالية:
- غياب الوعى بمفهوم المعارضة وأهدافها وأساليب وتكتيكات الحركة السياسية والحزبية.
-غياب المشروع السياسى الصالح ليكون بديلاً للنظام الحاكم على نفس أرضية المفهوم الشامل للأمن القومى للدولة المصرية.
- افتقاد القدرة على التواصل الجماهيرى.
- نضوب الكوادر والقيادات والكاريزمات.
- استمتاع بعض الأحزاب برصيد قديم دون تطوير آلية تواصل الأجيال.
- القضاء على فكرة المؤسسية داخل تلك الأحزاب.
- الرضوخ التام للضغوط الإعلامية.
- غياب التمييز بين معارضة النظام ومعارضة الدولة نفسها.
- ممارسة المعارضة كغاية أصيلة وليست كوسيلة مشروعة، تجنبا للتصدى لأى مسئولية حقيقية تؤدى للحساب والمساءلة.
التوصيف على هذا النحو  أدى إلى تحول تلك المعارضة البلاستيكية لمرض سياسى مزمن فى جسم الدولة تمثلت أعراضه وخطورته فيما يلى:
- انسداد الأفق السياسى وغياب الأمل لدى الفئات الشبابية.
- القضاء على حالة التنافسية السياسية التى حتما ستؤدى إلى فرز الأفكار والمواهب وحتما ستنعكس على الأداء العام للحكومات والأنظمة.
- منح جماعات الإسلام السياسى مساحات مجانية للتجنيد والاستقطاب .
- تعريض الكوادر الشبابية لمحاولات الاستقطاب الخارجى التى تقدم نماذج هدم الدولة مغلفة بمفاهيم سياسية للخداع والتمويه.
- مسخ المفهوم الوطنى للمعارضة واستبداله بحملات المكايدة التى قد تصل إلى حد الشروع فى هدم الدولة.
- خلق حالة من العداء مع الأنظمة تتطور إلى حالة من تدهور وفتور الانتماء لفكرة الوطن.
- العجز عن تقديم نماذج حزبية ذات هوية فكرية وتنظيمية واضحة المعالم التى يمكن أن تميزها عن غيرها: إذن نحن أمام معارضة تُمارس البطالة السياسية المقنعة وتحترف تلك الحالة فلا تمتد تأثيراتها خارج مقراتها، ولا تؤثر صحفها فى قاصٍ أو دانٍ، بل إن بعضها لم يتورع من قبل فى التحالف مع تنظيم الإخوان لمنحه ممرًا قانونيًا آمنًا إلى جسم وعقل الدولة المصرية، فتحولت تلك الأحزاب إلى قواعد ارتكاز للضغط على الدولة وليس لتقويمها، تحولت إلى كيان عاجز عن معرفة الفرق بين المعارضة كعمل سياسى داخل إطار الدولة والمعارضة كعمل تحريضى ضد الوطن، تحولت إلى مشروعات دون أى دراسة للجدوى السياسية ، فلم تعد تعرف سببًا لنشأتها أو مبررًا لوجودها أو مستقبلاً لها، وفقد غالبيتها إدراكه لدوره الوطنى فى إعادة ترميم الدولة التى أصابها ما أصابها خلال سبع سنوات عجاف سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
.. الحالة الحزبية على هذا النحو اتسمت بمعالم واضحة لا يساهم أى منها فى تقوية البنيان السياسى للدولة بعدما افتقدت الأحزاب قدرتها على توصيف وظائفها السياسية وتحولت إلى كيانات تجسد حالة من العجز والملل السياسى وغابت عن أهم أدوارها الوطنية المتمثلة فى:
- إيجاد آلية للاصطفاف الوطنى فى مواجهة إرهاب دولى تتعرض له الدولة المصرية.
- تقديم نموذج عملى وحقيقى لدولة مدنية.
- قيادة حملات التوعية بالإنجاز الحقيقى.
- المبادرة والاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة لدعم مرشح وطنى.
- تقديم مشروع وطنى لمواجهة جماعات الإسلام السياسى.
- المساهمة فى إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية.
- تقديم نموذج تنموى تتواصل من خلاله مع القواعد الشعبية.
- خلق حالة تنافسية حقيقية تنعكس إيجاباً على أداء البرلمان.
-تقديم نموذج للوحدة الوطنية من خلال  العمل الحزبى.
- تفريخ الكوادر القادرة على تحقيق تواصل الأجيال.
- إيجاد آلية اتصال بمؤسسات الدولة لتبادل الأفكار.  
نحن أمام حالة من الانهيار الشامل لمنظومة معارضة أهدرت تاريخها ورصيدها فاستباحتها جماعات النصب باسم الإسلام السياسى وتحولت إلى مكايدة سياسية ــ وربما نسائية ــ لا تستقيم مع الدور المنوط بها كجناح ثانٍ لنظام الحكم.
شتان الفارق بين معارضة وطنية تجدها فى كل الدنيا، تتقدم الصفوف فى القضايا الوطنية وتستبق الحكومات فى الحفاظ على الوطن والمواطن بدلاً من الهد والهدم فى كيان البلد ومؤسساته لمجرد المكايدة ولوجه آخر غير وجه الله والوطن!
لم تكتف تلك الأحزاب بالاستسلام لاختراقات الجماعات المتأسلمة بل قدمت حالة فريدة من الخنوع لسيطرة  بعض رجال الأعمال ممن ابتلعوا أحزابا كاملة واستخدموها كغطاء سياسى لابتزاز الدولة لخدمة استثماراتهم ومراكمة الثروات والتحصن خلفها كمحطات لغسيل السمعة أو المال، والدفع بها فى وجه الدولة إذا ما قررت تفعيل إجراءاتها القانونية تجاه تجاوز أحد رجال الأعمال الذى سيظهر ساعتها مناضلا سياسيًا يتعرض للاضطهاد من النظام.
وإذا كان هذا التوصيف فاضحا وكاشفا ومؤلما فلتسارع تلك الأحزاب بمحاولة إدراك بوصلة الدولة لتقدم نموذجا أو ميثاقا أو دستورا مكتوبا لمعارضة حقيقية، معارضة تساهم فى اشتداد بنيان الدولة وليس لفتح ثغرات فى جسدها، معارضة قادرة على إحياء الأمل وليس تقديم الإحباط المنظم ، معارضة لها مشروع واضح المعالم وليست معارضة موسمية، معارضة على أرضية الوطن لا على جثة الوطن.